وجملة ذلك أن الشهود إذا رجعوا عن الشهادة أو واحد منهم ففيهم روايتان (إحداهما) يجب الحد على الجميع لأنه نقص عدد الشهود فلزمهم الحد كما كانوا ثلاثة وإن رجعوا كلهم فعليهم الحد لأنهم يقرون أنهم قذفة، وهو قول أبي حنيفة (والثانية) يحد الثلاثة دون الراجع اختارها أبو بكر وابن حامد لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله فيسقط عنه الحد لأن في درء الحد عنه تمكيناً له من الرجوع الذي يحصل به مصلحة الشهود وفي إيجاب الحد عليه زجر له عن الرجوع خوفا من الحد فتفوت تلك المصلحة وتتحقق المفسدة فناسب ذلك نفي الحد عنه، وقال الشافعي يحد الراجع دون الثلاثة لأنه أقر على نفسه بالكذب في قذفه وأما الثلاثة فقد وجب الحد بشهادتهم وإنما سقط بعد وجوبه برجوع الرابع ومن وجب الحد بشهادته لم يكن قاذفا فلم يحد كما لو لم يرجع أحد.
ولنا أنه نقص العدد بالرجوع قبل إقامة الحد فلزمهم الحد كما لو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة وقولهم وجب الحد بشهادتهم يبطل بما إذا رجعوا كلهم وبالراجع وحده فان الحد وجب ثم
سقط ووجب الحد بسقوطه ولأن الحد إذا وجب على الراجع مع المصلحة في رجوعه باسقاط الحد عن المشهود عليه بعد وجوبه واحيائه المشهود عليه بعد إشرافه على التلف فعلى غيره أولى فأما إن كان رجوعه بعد الحد فلا حد على الثلاثة لأن إقامة الحد كحكم الحاكم الحاكم لا تسقط برجوع الشاهد بعده وعلى الراجع ربع ما تلف بشهادتهم ويذكر ذلك في الرجوع عن الشهادة إن شاء الله تعالى.
(فصل) وإذا ثبتت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهود عليه لم يسقط الحد وقال أبو حنيفة يسقط لأن صحة البينة يشترط لها الإنكار وما كمل بالاقرار.
ولنا قول الله (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)