للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يثبت فيهما خيار وقيل هما إجارة وقد ذكرناه، فأما الحوالة والأخذ بالشفعة فهو عقد لازم يستقل به أحد المتعاقدين فلا خيار فيهما لأن من لا يعتبر رضاه الخيار له، إذا لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر كسائر العقود، ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأنه يقصد فيهما العوض فأشبها سائر عقود المعاوضات {مسألة} (ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما لما ذكرناه) ولا خلاف في لزوم العقد بعد التفرق ما لم يكن سبب يقتضي جوازه مثل أن يجد في السلعة عيباً فيردها به أو يكون قد شرط الخيار مدة معلومة فيملك الرد فيها بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشرط في المبيع صفة يختلف بها الثمن فيبين بخلافه أو يخبره في المرابحة

بثمن حال وهو مؤجل ونحو ذلك وقد دل على لزوم البيع بالتفرق قول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعاداتهم لأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه فدل على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز، فإن كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء فبأن يمشي أحدهما مستدبراً لصاحبه خطوات وقيل هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة.

قال أبو الحارث سئل أحمد عن تفرقه الأبدان فقال إذا أخذ هذا هكذا وأخذ هذا هكذا فقد تفرقا.

وروى مسلم عن نافع قال فكان ابن عمر إذا باع فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع، وإن كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس أو صفة أو من مجلس إلى بيت ونحو ذلك، فإن كانا في دار صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه، وإن كانا في سفينة صغيرة خرج أحدهما منها ومشى، وإن كانت كبيرة صعد أحدهما إلى أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي، فإن كان المشتري هو البائع مثل أن اشترى لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه يتولى طرفي العقد فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه كغيره فعلى هذا يعتبر لزومه مفارقة مجلس العقد لأن الافتراق لا يمكن هاهنا لكون البائع هو المشتري، ومتى حصل التفرق لزم العقد قصدا ذلك أو لم يقصداه علماء أو جهلاه لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الخيار على التفرق وقد وجد، ولو هرب أحدهما من الآخر لزم العقد لأنه فارقه ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع، ولو أقاما في المجلس وسدلا بينهما ستراً أو بنيا بينهما حاجزاً أو ناما وقاما فمضيا جميعاً ولم يتفرقا فالخيار بحاله وإن طالت المدة لعدم التفرق، وقد روى أبو داود والاثرم بإسنادهما عن أبي الوضئ قال غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرساً بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحنا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه اليه فقال بيني وبينك

<<  <  ج: ص:  >  >>