البادي جاهلاً بالسعر قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا كان البادي عارفاً بالسعر لم يحرم لأن التوسعة لا تحصل بتركه يبيعها لأنه لا يبيعها إلا بسعرها ظاهراً (الثالث) أن يكون قد جلب السلعة للبيع، فأما
إن جلبها ليأكلها أو يخزنها فليس في بيع الحاضر له تضييقا بل توسعة، وذكر القاضي شرطين آخرين (أحدهما) أن يكون مريداً لبيعها بسعر يومها، فأما إن كان أحضرها وفي نفسه أن لا يبيعها رخيصة فليس في بيعه تضييق (الثاني) أن يكون بالناس حاجة إليها وضرر في تأخير بيعها كالأقوات ونحوها، وقال أصحاب الشافعي إنما يحرم بشروط أربعة وهي ما ذكرنا إلا حاجة الناس إليها فمتى اختل شرط منها لم يحرم البيع وإن اجتمعت هذه الشروط فالبيع حرام وظاهر المذهب أنه باطل نص عليه أحمد في رواية اسماعيل بن سعيد.
وذكر الخرقي رواية أخرى أن البيع صحيح وهو مذهب الشافعي لأن النهي لمعنى في غير المنهي عنه فلم يبطل كتلقي الركبان ولنا أنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد والله أعلم {مسألة}(فأما شراؤه له فيصح رواية واحدة) وهو قول الحسن وكرهت طائفة الشراء لهم أيضاً كما كرهت البيع فروى أنس قال: كان يقال هي كلمة جامعة يقول لا تبيعن له شيئاً ولا تبتاعن له شيئا وهو إحدى الروايتين عن مالك ولنا أن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر ويزول عنهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم ولا يتضررون لعدم الغبن للبادين بل هو دفع الضرر عنهم والخلق في نظر الشارع على السواء فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر.
فأما إن أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع فقد رخص فيه طلحة بن عبيد الله والاوزاعي وابن المنذر وكرهه مالك والليث وقول الصحابي أولى (فصل) وليس للإمام أن يسعر على الناس بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون وهذا مذهب الشافعي، وكان مالك يقول يقال لمن يريد أن يبيع أقل ما يبيع الناس بع كما يبيع الناس وإلا فاخرج عنا، واحتج بما روي الشافعي وسعيد بن منصور عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب في سوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحتمل زبيباً وهم يعتبرون سعرك فإما أن ترفع في السفر وإما أن تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت ولأن في ذلك إضراراً بالناس إذا زاد وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع.
ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال " إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وعن أبي سعيد مثله فوجه الدلالة من وجهين (أحدهما) أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لا جابهم إليه (الثاني) أنه علل بكونه مظلمة والظلم حرام ولأنه ماله فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان كما لو اتفق الجماعة عليه، والظاهر أنه سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعتهم بلداً يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها المحتاج