* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء وحكماه بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما وبهذا قال أبو حنيفة وللشافعي قولان (أحدهما) لا يلزمه حكمه إلا بتراضيهما لأن حكمه إنما يلزم بالرضى به فلا يكون الرضى إلا بعد المعرفة بحكمه.
ولنا ما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " أن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ " قال إن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضي علي الفريقان " قال ما أحسن هذا فمن أكبر ولدك؟ " قال شريح قال " فأنت أبو شريح " أخرجه النسائي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون " ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم، ولأن عمر وأبياً تحاكما إلى زيد وحاكم عمر أعرابياً إلى شريح قبل أن يوليه القضاء وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم ولم يكونوا قضاة فإن قيل فعمر وعثمان كانا إمامين فإذا ردا الحكم إلى رجل صار قاضياً؟ قلنا لم ينقل عنهما إلا الرضا بتحكيمه خاصة وبهذا لا يعتبر قاضياً وما ذكروه يبطل بما إذا رضي بتصرف وكيله
فإنه يلزمه قبل المعرفة به إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض فيه حكم من له ولاية، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة للحاكم نقضه إذا خالف رأيه، لأن هذا عقد في حق الحاكم فملك فسخه كالعقد الموقوف في حقه.
ولنا أن هذا حكم صحيح لازم فلم يجز فسخه لمخالفة رأيه كحكم من له ولاية وما ذكروه لا يصح فإن حكمه لازم للخصمين فكيف يكون موقوفاً؟ ولو كان كذلك لملك فسخه وإن لم يخالف رأيه ولا نسلم الوقوف في العقود إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه