ما عداه منفرداً عن المستثنى ونحوه مذهب أبي حنيفة والشافعي إلا أن أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة للأثر الوارد فيبقى فيما عداه على قضية الأصل، فإن استثنى معيناً من ذلك جاز لأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوماً ولا يبقى فيه غرر ولأن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا إلا أن تعلم يدل على الصحة إذا كانت معلومة ولا نعلم في هذا خلافاً {مسألة}(وإن باع قفيزاً من هذه الصبرة صح) لأنه معلوم لكون أجزائها لا تختلف فلا تفضي إلى الجهالة، وكذلك إذا باعه رطلا من دن أو من زبرة حديد يصح لذلك، وحكي عن داود أنه لا يصح لأنه غير مشاهد ولا موصوف.
ولنا أن المبيع مقدر معلوم من جملة يصح بيعها أشبه إذا باع نصفها وما ذكره قياس وهو لا يحتج بالقياس ثم لا يصح لأنه إذا شاهد الجميع فقد شاهد البعض {مسألة}(وإن باعه الصبرة إلا قفيزاً أو ثمرة الشجرة إلا صاعاً لم يصح وعنه يصح) إذا باع صبرة واستثنى منها قفيزاً أو أقفزة أو باع ثمرة بستان واستثنى منها صاعاً أو آصعاً لم يصح في ظاهر المذهب، روى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والشافعي والاوزاعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب
الرأي.
وفيه رواية أخرى أنه يجوز وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد الله ومالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه ثنيا معلومة ولأنه معلوم أشبه إذا استثنى منها جزءاً مشاعاً ووجه الأولى ما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا ولأن المبيع إنما علم بالمشاهدة لا بالقدر، والاستثناء يغير حكم المشاهدة لأنه لا يدرى كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز، ويخالف الجز فإنه لا يعتبر حكم المشاهدة ولا يمنع المعرفة بها، وكذلك إذا باع ثمرة شجرة واستثنى أرطالاً فالحكم فيه على ما ذكرا.
وقال القاضي في شرحه يصح لأن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه، وهذه المسألة أشبه بمسألة استثناء الصاع من الحائط والمعنى الذي ذكرناه ثم متحقق هاهنا (فصل) فإن استثنى من الحائط شجرة بعينها جاز لأن المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى الجهالة في المستثنى منه، وإن استثنى شجرة غير معينة لم يصح لأن المستثنى مجهول.
وقال مالك يصح أن يستثنى ثمرة نخلات يعدها وقد ذكرناه، وقد روي عن ابن عمر أنه باع ثمرة بأربعة آلاف واستثنى طعام القنيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القنيان لأنه لو حمل على غير ذلك كان مخالفاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا إلا أن تعلم، ولأن المستثنى متى كان مجهولاً لزم أن يكون الباقي بعده مجهولاً فلم يصح بيعه كما لو قال بعتك من هذه الثمرة طعام القنيان (فصل) وإن استثنى جزءاً معلوماً من الصبرة أو الحائط مشاعاً كثلاث أو أربع أو أجزاء كثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي، وقال أبو بكر وابن أبي موسى لا يجوز ولنا أنه لايؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه فصح كما لو استثنى شجرة بعينها وذلك لا معنى بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها اي بعتك ثلثيها، وإن باع حيواناً واستثنى ثلثه جاز ومنع منه القاضي قياساً على استثناء الشحم ولا يصح لأن الشحم مجهولا لا يصح إفراده بالبيع وهذا معلوم يصح إفراده بالبيع