وأما الآية فالمراد بها قوله هو علي حرام أو منع نفسه منه وذلك ليس يسمى تحريماً قال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) وقال (وحرموا ما رزقهم الله) ولم يثبت فيه التحريم حقيقة ولا شرعا فإذا قال هذا حرام علي إن فعلت وفعل أو ما أحل الله علي حرام إن فعلت ثم فعل فهو مخير إن شاء ترك ما حرمه على نفسه وإن شاء كفر، وإن قال هذا الطعام حرام علي فهو كالحالف على تركه، ويروى نحو هذا عن ابن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة واسحاق وأهل العراق وقال سعيد بن جبير فيمن قال الحل علي حرام يمين من الأيمان يكفرها، وقال الحسن هي يمين إلا أن ينوي امرأته، وعن إبراهيم مثله، وعنه إن نوى طلاقاً وإلا فليس بشئ، وعن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا الحرام يمين، وقال طاوس هو ما نوى، وقال مالك والشافعي ليس بيمين ولا شئ عليه لأنه قصد تغيير المشروع فلغا ما قصده كما لو قال هذه ابنتي ولنا قوله الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) سمى تحريم ما أحل الله يميناً وفرض له تحلة وهو الكفارة.
وقالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير فدخل على إحدانا فقالت له ذلك فقال " لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود " فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟) متفق عليه فإن قيل إنما نزلت الآية في تحريم مارية القبطية كذلك قال الحسن وقتادة قلنا ما ذكرناه أصح فإنه متفق عليه وقول عائشة صاحبه القصة الحاضرة للتنزيل المشاهدة للحال أولى والحسن وقتادة لو سمعا قول عائشة لم يعدلا به شيئاً ولم يصيرا إلى غيره فكيف يصار إلى قولهما ويترك قولها؟