روى أبو نعيم بسنده عن عروة بن الزبير في خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة قال: فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص السهمي وأمروهما أن يسرعا السير حتى يسبقاهم إلى النجاشي، ففعلا، فقدما على النجاشي فدخلا عليه: فقالا له: إن هذا الرجل الذي بين أظهرنا، وأفسدنا فينا، تناولك ليفسد عليك دينك، وملكك وأهل سلطانك، ونحن لك ناصحون، وأنت لنا عيبة صدقٍ، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف ويأمن تاجرنا عندك، فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك، وهؤلاء نفرٌ من أصحاب الرجل الذي خرج فينا، ونخبرك بما نعرف من خلافهم الحق، أنهم لا يشهدون أن عيسى بن مريم، أحسبه قال (إلهًا) ولا يسجدون لك إذا دخلوا عليك، فادفعهم إلينا فلنكفيكهم فلما قدم جعفر وأصحابه وهم على ذلك من الحديث وعمرو وعمارة عند النجاشي، وجعفر وأصحابه على ذلك الحال، قال: فلما رأوا أن الرجلين قد سبقا ودخلا، صاح جعفر على الباب: يستأذن حزب الله، فسمعها النجاشي، فأذن لهم، فدخلوا وعمرو وعمارة عند النجاشي، قال: أيُّكم صاح عند الباب؟ فقال جعفر: أنا هو، فأمره فعاد لها، فلما دخلوا وسلموا تسليم أهل الإيمان، ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد ألم نبين لك خبر القوم؟ فلما سمع النجاشي ذلك أقبل عليهم، فقال: أخبروني أيها الرهط ما جاء بكم؟ وما شأنكم؟ ولِمَ أتيتموني ولستم بتجار، ولا سؤال؟ وما نبيكم هذا الذي خرج؟ وأخبروني مالكم، لِمَ لا تحيّوني كما يحييني من أتاني من أهل بلدكم؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى بن مريم؟.
فقام جعفر بن أبي طالب، وكان خطيب القوم فقال: إنما كلامي ثلاث كلمات، وإن صدقت فصدقني وإن كذبت فكذبني، فأمرْ أحدًا من هذين الرجلين فليتكلَّمْ ولينصت الآخر، قال: عمرو: أنا أتكلم، قال النجاشي: أنت يا جعفر فتكلم قبله. فقال جعفر: إنما كلامي ثلاث كلمات، سلْ هذا الرجل أعبيدٌ نحن أبقْنا من أربابنا؟ فارددنا إلى أربابنا. فقال النجاشي: أعبيدٌ هم يا عمرو قال عمرو: بل أحرارٌ كرامٌ، قال جعفر: سلْ هذا الرجل هل أهرقْنا دمًا بغير حقه؟ فادفعنا إلى أهل الدم. فقال: هل أهرقوا دمًا بغير حقه؟ فقال: ولا قطرة واحدة من دمٍ، ثم قال جعفر: سلْ هذا الرجل أخذنا أموال الناس بالباطل؟ فعندنا قضاءٌ. فقال النجاشي: يا عمرو أنْ كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو عليّ. فقال عمرو: ولا قيراطٌ. فقال النجاشي: ما تطالبونهم به؟ قال عمرو: