فكنا نحن وهم على دينٍ واحدٍ وأمرٍ واحدٍ فتركوه، ولزمناه. فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره؟ فقال جعفر: أمّا الذي كنَّا عليه فدين الشيطان وأمر الشيطان، نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأمَّا الذي نحن عليه فدين الله -عَزَّ وجَلَّ-، نخبرك: إن الله بعث إلينا رسولًا كما بعث إلى الذين من قبلنا فأتانا بالصدق والبر، ونهانا عن عبادة الأوثان فصدقناه وآمنا به، واتبعناه، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا، وأرادوا قتل النبي الصادق، وردّنا في عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا, ولو أقّرنا قومنا لاستقررنا، فذلك خبرنا. وأمَّا شأن التحية: فقد حيَّيناك بتحية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والذي يحيِّي به بعضنا بعضًا؛ أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تحية أهل الجنة السلام فحيَّيناك بالسلام، وأمَّا السجود، فمعاذ الله أن نسجد إلا لله وأن نعدلك بالله. وأمَّا في شأن عيسى بن مريم: فإن الله -عَزَّ وجَلَّ- أنزل في كتابه على نبينا أنَّه رسول قد خلت من قبله الرسل، ولدته الصديقة العذراء البتول الحصان وهو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهذا شأن عيسى بن مريم.
فلما سمع النجاشي قول جعفر أخذ بيده عودًا ثم قال لمن حوله: صدق هؤلاء النفر، وصدق نبيُّهم، والله ما يزيد عيسى بن مريم على ما يقول هذا الرجل ولا وزن هذا العود، فقال لهم النجاشي: امكثوا فإنَّكم سيومٌ -والسيوم آمنون- قد منعكم الله، وأمر لهم بما يصلحهم، فقال النجاشي: أيُّكم أدرس للكتاب الذي أنزل على نبيكم؟ قالوا: جعفرٌ، فقرأ عليهم جعفر سورة مريم، فلما سمعها عرف أنَّه الحق، وقال النجاشي: زدنا من الكلام الطيَّب، ثمّ قرأ عليه سورة أخرى، فلما سمعها عرف الحق، وقال: صدقتم وصدق نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أنتم والله صديقون، امكثوا على اسم الله وبركته آمنين ممنوعين، وألقى عليهم المحبة من النجاشي (١).