يدل عليه قوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: ٩٥]، ونهى عن قتل جنس الصيد، فدخل تحته ما له نظير، وما لا نظير له، ولا خلاف أنه لو قتل ما لا نظير له وجبت عليه قيمته، فثبت أن القيمة مرادة بالمثل، فيصير كأنه قال: فجزاء قيمة ما قتل، ولو قال ذلك لوجب اعتبار القيمة في جنس الصيد، كذلك إذا كان تقديره ما ذكرنا.
وقوله:{مِنَ النَّعَمِ} أفاد أن الهدي الذي تصرف القيمة فيه يجب أن يكون منه؛ لئلا يتوهم أن كل ما يقع عليه اسم الهدي يجرئ.
قيل له: لا نسلم أن الآية تناولت جنس الصيود التي لا مثل لها؛ لأنه لما قيد المثل من النعم، علمنا أن ما لا مثل له لم يدخل تحت الظاهر، وإنما استفدنا حكم ذلك من غيرها.
وهذا كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، فقيل: يا رسول الله! ما السبيل؟ قال:"الزاد والراحلة"، وهذا في النائي عن البيت، فأما أهل مكة، ومن كان منها على ما لا تقصر فيه الصلاة، فلم يدخل في هذا؛ لأن استطاعته [ليس في] الزاد والراحلة.
وقولهم:(إن قوله: {مِنَ النَّعَمِ} يقتضي أن يكون الهدي منه) فغير صحيح؛ لأن حقيقة الكلام تقتضي أن تكون (من) للجنس، فيكون المثل من جنس النعم، فمن عدل بها عن ذلك، فقد عدل عن حقيقة اللفظ.