للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أتاه رجلٌ غائرُ العينين، مشرفُ الوَجنتين، ناشِزُ (١) الجَبهة، كَثُّ اللِّحية، مُشَمَّرُ الإزار، محلوقُ الرأس، فقال: اتَّقِ اللَّه يا رسول اللَّه، فرفع رأسه إليه فقال: "ويحَك، أليس أحقُّ أهل الأرض أن يتّقِيَ اللَّهَ أنا؟ " ثم أدبرَ، فقال خالد: يا رسول اللَّه، ألا أضربُ عُنُقَه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلَعَلَّه يكون يُصَلّي" فقال: إنه رُبّ مُصَلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنّي لم أُؤْمَرْ أن أُنَقِّبَ على قلوب النّاس، ولا أَشُقَّ بطونَهم" ثم نظر إليه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُقَفٍّ فقال: "ها، إنه سيخرجُ من ضِئْضِىء هذا قومٌ يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ حناجِرَهم، يمرُقون من الدِّين كما يمرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيّة".

أخرجاه (٢).

والمقروظ: المدبوغ بالقَرَظ: وهو ورق السَّلَم.

والضِّئضىء: الأصل.

* طريق آخر:

حدّثنا أحمد قال: حدّثنا محمد بن. مُصْعب قال: حدّثنا الأوزاعيّ عن الزُّهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال:

بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم يقسِمُ مالًا، إذ أتاه ذو الخُوَيْصرة -رجلٌ من بني تميم- فقال: يا محِمّد، اعْدِلْ، فواللَّهِ ما عَدلْتَ منذُ اليوم. فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّهِ لا تجدونَ بعدي أعدلَ عليكم منّي" ثلاثًا. فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذَنْ لي فأضربَ عنقه. فقال: "لا، إنّ له أصحابًا يَحْقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يَمْرُقون من الدِّين كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةَ، ينظر صاحبُه إلى فُوقه فلا يرى شيئًا، آيتُهم رجلٌ إحدى يديه كالبَضعة، أو كثَدي المرأة، يخرُجون على فُرقة من النّاس، يقتُلُهم أولى الطائفتين باللَّه".

قال أبو سعيد: فأشهدُ أني سمعتُ هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وإني شهدتُ عليًا حين قتلَهم، فالتُمِس في القَتلى، فوُجد على النَّعت الذي نَعَتَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


(١) ناشز: بارز، مرتفع.
(٢) المسند ١٧/ ٤٦ (١١٠٠٨)، وهو في مسلم ٢/ ٧٤١ - ٧٤٤ (١٠٦٤) من طريق محمد بن فضيل، ومن طرق أخرى. وفي البخاري ٨/ ٦٧ (٤٣٥١) من طريق عن عبد الرحمن بن أبي نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>