خرجنا عنك فتدخلُها بأصحابلى، وأقمتَ بها ثلاثًا معك سلاح الراكب، لا تدخلُها بغير السيوف في القُرُب.
فبينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكتبُ الكتاب إذ جاءَه أبو جَندل بن سهيل بن عمرو في الحديد، قد انفلت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: وقد كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرجوا وهم لا يَشُكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلمّا رأَوا ما رأَوا من الصُّلح والرجوع، وما تَحَمَّلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على نفسه، دخل النّاسَ من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رآى سهيلٌ أبا جندل قام إليه فضَرب وجهَه، وقال: يا محمد، قد تَمَّتْ القضية بيني وبينك قبل أن يأتيَ هذا. قال:"صدقت" فقام إليه فأخذَ بتلبيبه. قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشرَ المسلمين، أتَرُّدوني إلى أهل الشِّرك فيفتنونني في ديني! قال: فزاد الناسُ شَرًّا إلى ما بهم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا جَندل، اصْبِرْ واحْتَسِبْ، فإن اللَّهَ جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فَرَجًا ومَخرجًا، إنا قد عَقَدْنا بيننا وبين القوم صُلحًا، فأعطَيناهم على ذلك وأعطَونا عليه عهدًا، وإنا لن نَغْدِرَ بهم" فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه فجعل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دمُ أحدِهمِ دمُ كلب. قال: ويُدني قائمَ السيف منه، قال: يقول: رجوتُ أن يأخذَ السيفَ فيضرب به أباه. قال: فضَنَّ الرجل بأبيه. قال: ونَفَذَتِ القضيّة.
قال: فلمّا فرغا من الكتاب، وكان رسول اللَّه يصلّي في الحرم وهو مُضطرب في الحِلّ. قال: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال:"يا أيُّها النّاس، انحَروا واحلِقوا" قال: فما قام أحد. قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجلٌ، ثم عاد بمثلها فما قام رجلٌ. فرجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدخل على أمّ سلمة، فقال:"يا أمَّ سلمة، ما شأنُ النّاس؟ " قالت: يا رسول اللَّه، قد دخلَهم ما رأيتَ، فلا تُكَلِّمَنَّ منهم إنسانًا، واعمد إلى هَديك حيثُ كان فانحره واحلِقْ، فلو قد فعلت ذلك فعل النّاس ذلك. فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُكَلِّم أحدًا، حتى أتى هَدْيَه فنحرَه، ثم جلس فحلق، فقام النّاس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين مكّة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح (١).
(١) المسند ٤/ ٣٢٣. وأورد الحديث ابن إسحق في السيرة ٣/ ١٩٦ - ٢١٠. وهو حديث صحيح. وسيتابع ابنَ إسحاق معمرٌ في الطريق التالي.