للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيْتُ على البراء خاتمًا من ذهب، فكان الناسُ يقولون له: لِمَ تتختّمُ بالذَّهَب وقد نهى عنه النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال البراء: بينا نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين يدَيه غَنيمة يقسمها: سبي وخُرْثِيّ، فقسَمها حتى بقي هذا الخاتمُ، فرفعَ طَرْفَه فنظرَ إلى أصحابه، ثم خفض، ثم رفعَ طَرْفَه فنظر إليهم، ثم خفضَ، ثم رفعَ طَرْفَه فنظرَ إليهم، ثم قال: "أيْ براءُ" فجِئْتُ حتى قَعدْتُ بين يَدَيه، فأخذَ الخاتمَ فقبض على كُرسوعي ثم قال: "خُذْ، الْبَسْ ما كساك اللَّهُ ورسولُه" قال: فكان البراءُ يقول: فكيف تأمروني أن أضَعَ ما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْبَسْ ما كساك اللَّهُ ورسولُه" (١).

الخُرْثيّ: أثاث البيت وأسقاطه.

والكُرسوع: رأس الزّند الذي يلي الخنصر.

وقد اعتقد البراء أن لبس ذلك الخاتم خاصٌّ له.

(٨٦٣) الحديث الستون: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا حسين بن موسى قال: حدّثنا زُهير قال: حدّثنا أبو إسحق أن البراء بن عازب قال:

جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرُّماةَ يومَ أُحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبدَ اللَّه بن جُبير، قال: ووضَعهم موضعًا وقال: "إن رأيْتُمونا تَخَطَّفُنا الطيْرُ فلا تَبْرَحوا حتى أُرْسِل إليكم، وإن رأيْتُمونا ظَهَرْنا على القوم وأوطأْناهم فلا تَبْرَحوا حتى أُرْسِل إليكم". قال: فهزموهم. قال: فأنا واللَّه رأيتُ النساء يَشْتَدِدْن على الجبل وقد بَدَت أَسْوُقُهنّ (٢) وخلاخيلُهنّ، رافعاتٍ ثيابَهنّ. فقال أصحابُ عبد اللَّه بِن جُبير: الغنيمةَ أيْ قومِ، الغنيمةَ, ظهر أصحابُكم، فما تَنْتَظِرون؟ فقال عبد اللَّه بن جُبير: أنسيتُم ما قال لكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالوا: إنّا واللَّه لنأتينّ النّاسَ فلنُصبينّ من الغنيمة. فلمّا أتَوها صُرِفَت وجوهُهم، فأقبلوا منهزمين، وذلك الذي يدعوهم الرسول في أُخراهم، فلم يبق مع الرسول غيرُ اثني عشر رجلًا. فأصابوا منّا سبعين


(١) المسند ٤/ ٢٩٤، وإسناده كسابقه، وهو من طريق أبي رجاء باختصار في مسند أبى يعلى ٣/ ٢٥٨ (١٧٠٨). وقال الذهبي في الميزان ٢/ ٥٢٠: هذا حديث منكر. وقال في المجمع ٥/ ١٥٤: ومحمّد بن مالك مولى البراء، وثقه ابن حبّان وأبو حاتم، ولكن قال ابن حبّان: لم يسمع من البراء. قلت (الهيثمي): قد وثّقه. وقال: رأيت، فصرّح، وبقيّة رجاله ثقات. وقد نقل ابن حجر الحديث في الفتح ١٠/ ٣١٧، ونقل عن الحازمي (في الاعتبار) أنّه قال: إسناده ليس بذاك، ولو صحّ فهو منسوخ. ولم يرتض ابن حجر النسخ، ورجّح ما مال إليه ابن الجوزيّ من كونه أمرًا خاصًا بالبراء. وينظر الاعتبار للحازمي في ٤١٥.
(٢) يشتددن: يسرعن. والأسوق جمع ساق.

<<  <  ج: ص:  >  >>