للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجْنا إلى بلدك، واخْتَرناك على مَنْ سواك، ورَغِبْنا في جوارك، ورجَونا ألّا نُظْلَمَ عندك أيُّها الملك.

فقالت: قال له النجاشيُّ: هل معك ممّا جاء به عن اللَّه شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشيُّ: فاقْرَأْه عليّ. قالت: فقرأَ عليه صَدْرًا من (كهيعص)، قالت: فبكى -واللَّه- النجاشيُّ حتى أخْضَلَ لحيتَه، وبكَتْ أساقفتُه حتى أخضلوا مصاحفَهم حين سمعوا ما تُلِي عليهم. ثم قال النجاشي: إنّ هذا -والذي جاء به موسى- ليخرجُ من مشكاةٍ واحدةٍ، انطلقوا، فواللَّه لا أُسْلِمُهم إليكم أبدًا ولا أُكاد.

قالت أمِّ سلمة: فلمّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: واللَّه لآتينّه غدًا أعيبُهم عندَه بما (١) أسْتَأْصِلُ به خضراءَهم. قالت: فقال له عبد اللَّه بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرّجلين فينا: لا تفعلْ، فإنَّ لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا. قال: واللَّه لأُخْبِرَنّه أنّهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبدٌ. قال: ثم غدا عليه الغدَ فقال له: أيُّها الملك، إنّهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرْسِل إليهم فسَلْهُم عمّا يقولون فيه. قالت: فأرسلَ إليهم يسألهم عنه. قالت: ولم ينزلْ بنا مثلُها، فاجتمع القومُ، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألَكم عنه؟ قالوا: نقول واللَّه فيه ما قال اللَّهُ عزّ وجلّ، وما جاءَ به نبيُّنا، كائنٌ في ذلك ما هو كائن. فلمّا دخلوا عليه قال لهم: ما يقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: يقولون فيه الذي جاء به نبيُّنا، هو عبدُ اللَّه ورسوله وروحه، وكَلِمتُه ألقاها إلى مريمَ العذراءِ البتول. فضرب النجاشيُّ يدَه إلى الأرض، فأخذَ منها عودًا فقال: ما عدا عيسى ابنُ مريم ما قلتَ هذا العودَ. فتناخَرَت بطارقتُه حولَه حين قال ما قال، فقال: وإن نَخَرْتُم واللَّه، اذهبوا أنتم سُيومٌ بأرضي -والسُّيوم: الآمِنون- مَن سبَّكم غُرِّم، ثم من سبَّكم غُرِّم، ثم من سبّكم غُرِّم، ما أُحِبُّ إلى أن لي دَبْرًا ذهبًا وإنّي آذيتَ رجلًا منكم - والدَّبْر بلغة الحبشة: الجَبَل. رُدُّوا عليهما هداياهما فلا حاجةَ لي بها، فواللَّه ما أخَذَ اللَّه منّي الرّشوةَ حين ردَّ عليّ مُلكي فآخذَ الرِّشوة فيه، وما أطاعَ النّاسَ فِيَّ فأطيعهم فيه.

قالت: فخرجا من عنده مقبوحَين، مردودًا عليهما ما جاءا به. وأقمْنا عنده بخير دارٍ مع خير جار.


(١) أثبت في المسند: "لأنبئنّه غدًا عيبهم عنده ثم. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>