كالحضارات التي ظهرت قبلها، لم يمس الزمن دين النبي الذي له من النفوذ ما له في الماضي، والذي لا يزال ذا سلطان كبير على النفوس، مع أن الأديان الأخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيئاً من قوتها.
ويدين بالإسلام في الوقت الحاضر أكثر من مائة مليون شخص، واعتنقته جزيرة العرب ومصر وسورية وفلسطين وآسية الصغرى وجزء كبير من الهند وروسية والصين، ثم جميع إفريقية إلى ما تحت خط الاستواء تقريباً.
وتجمع بين مختلف الشعوب التي اتخذت القرآن دستوراً لها وحدة اللغة والصلات التي يسفر عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلاد العالم الإسلامي.
وتجب على جميع أتباع محمد تلاوة القرآن باللغة العربية بقدر الإمكان، واللغة العربية هي، لذلك، أكثر لغات العالم انتشاراً على ما يحتمل، وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد الأيام.
وقضى أعداء الإسلام من المؤرخين العجب من سرعة انتشار القرآن العظيمة فعزوها إلى ما زعموه من تحلل محمد وبطشه، ويسهل علينا أن نثبت أن هذه المزاعم لا تقوم على أساس، فنقول: إن من يقرأ القرآن يجد فيه ما في الأديان الأخرى من الصرامة، وإن ما أباحه القرآن من تعدد الزوجات لم يكن غريباً على الشعوب المسلمة التي عرفته قبل ظهور محمد، وإن هذه الشعوب لم تجد نفعاً جديداً في القرآن لهذا السبب.
وما قيل من دليل حول تحلل محمد نقضه العلامة الفيلسوف بيل منذ زمن طويل، وقال بيل، بعد أن أثبت أن ما أمر النبي بالتزامه من قيود الصيام وتحريم الخمر ومبادئ الأخلاق هو أشد مما أمر به النصارى:
إن من الضلال، إذن، أن يعزى انتشار الإسلام السريع في أنحاء الدنيا إلى أنه يلقي عن كاهل الإنسان ما شق من التكاليف والأعمال الصالحة، وأنه يبيح له البقاء على سيئ الأخلاق، وقد دون هوتنجر قائمة طويلة بالأخلاق الكريمة والآداب الحميدة عند المسلمين، فأرى، مع القصد في مدح الإسلام، أن هذه القائمة تحتوي أقصى ما يمكن أن يؤمر به إنسان من التحلي بمكارم الأخلاق، والابتعاد عن العيوب والآثام.