واللغة القشتالية في إسبانية، كما يشهد بذلك ما في مكتبة الإسكوريال من المُعجمات العربية اليونانية والعربية اللاتينية والعربية الإسبانية التي ألَّفها علماء من المسلمين.
وكانت معارف اليونان واللاتين القديمة أساساً لثقافة متعلمي العرب في الدور الأول، وكان هؤلاء كالطلاب الذين يتلقون في المدرسة ما وَرَثه الإنسان من علوم الأولين، وكان اليونان أساتذة العرب الأولين إذن، ولكن العرب المفطورين على قوة الإبداع والنشاط لم يكتفوا بحال الطلب الذي اكتفت به أوربة في القرون الوسطى؛ فلم يلبثوا أن تحرَّرُوا من ذلك الدور الأول.
والإنسانُ يقضي العجب من الهِمة التي أقدم بها العرب على البحث، وإذا كانت هنالك أممٌ تساوت هي والعرب في ذلك فإنك لا تجد أمة فاقت العرب على ما يحتمل، والعرب كانوا إذا ما استولَوا على مدينة صرفوا همَّهم إلى إنشاء مسجد وإقامة مدرسة فيها، وإذا ما كانت تلك المدينة كبيرةً أسسوا فيها مدارس كثيرة، ومنها المدارس العشرون التي روى بنيامين التُّطِبلِيُّ المتوفى سنة ١١٧٣ م أنه شاهدها في الإسكندرية، وهذا عدا اشتمال المدن الكبرى كبغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة ... إلخ، على جامعات مشتملة على مختبراتٍ ومراصد ومكتبات غنية، وكل ما يساعد على البحث العلمي، وكان للعرب في إسبانية وحدها سبعون مكتبة عامة، وكان في مكتبة الخليفة الحكَم الثاني بقرطبة ستمائة ألف كتاب منها أربعةٌ وأربعون مجلدًا من الفهارس كما روى مؤرخو العرب، وقد قيل، بسبب ذلك:«إن شارل الحكيم لم يستطع، بعد أربعمائة سنة، أن يجمع في مكتبة فرنسة المَلَكية أكثر من تسعمائة مجلد يكاد ثلثها يكون خاصٍّا بعلم اللاهوت».
[(٢) مناهج العرب العلمية]
ليست المكتباتُ والمختبراتُ والآلاتُ غيرَ وسائل للدرس والبحث، وتكون قيمتها في معرفة الاستفادة منها، وقد يستطيع المرء أن يكون مطلعاً على علوم الآخرين، وقد يبقى عاجزاً عن التفكير وابتداع أي شيء مع ذلك، فيظلُّ تلميذاً غير قادر على الارتقاء إلى درجة أستاذ، وسيبدو، من الاكتشافات التي نذكرها في الفصول الآتية مقدار ما اكتشفه العرب بما لديهم من وسائل الدرس، والآن أقتصر على ذكر المبادئ العامة التي وَجَّهَت أبحاثهم:
لم يلبث العرب، بعد أن كانوا تلاميذ معتمدين على كتب اليونان، أن أدركوا أن التجربة والترصد خيرٌ من أفضل الكتب، وعلى ما يبدو من ابتذال هذه الحقيقة جد علماء القرون الوسطى في أوربة ألف سنة قبل أن يعلموها.