ودام رخاء سورية حتى دور الانقسام الذي زلزل دولة الخلافة، وأخذ ينقص، ولم يتم زواله إلا حين غدت سورية تابعة لدولة الترك، فصرت لا ترى فيها شيئاً مما كان في أيام الحكم العربي من النفائس والفنون والصناعة، وأصبحت المدن الكبيرة القديمة، كصيدا وصور، قرى حقيرة، وتعرت الجبال تماماً، وهجر الناس الحقول الغنية بعد ازدهارها فيما مضى، وأضحت هذه الأماكن الخصبة لا تنبت عشباً ما ثقلت عليها وطأة الترك، قال مسيو دافيد في تاريخه عن سورية:
كأن من العبث أن أدت حضارة الخلفاء في قرنين، كما أدى الأغارقة والرومان، إلى إنشاء المباني الرائعة، وصنع النفائس الفاخرة، ونشر اللغة الراقية، ووضع طرائف نحوها المنطقية، وقول أشعارها البليغة، وكان من العبث أن سقت دمشق الفولاذ، وغزلت حلب الحرير اللامع، وكأن من العبث أن أزينت ربا حوران وهضابها بالزرع وأشجار الفاكهة الذهبية، وأن أبدى أهلوها نشاطاً فائقاً، فقد حرق، عن عمد، أجلاف القفقاس، الذين بزوا جميع قدماء الفاتحين جهلاً وقسوة وطمعاً، آثار الفن والعلوم، وهدموا المصانع، وقتلوا العمال، وسحقوا كل شيء لم يستطيعوا نقله.
وعادت سورية لا تكون غير بلاد جديبة خربة في الوقت الحاضر، واستوقفت ندرة نباتها نظري حين طفت فيها، ولاح لي أنها بلغت من الفقر ما لا تأتي معه بغير كلأ قليل، ومررت من الطريق الواقعة بين بيروت ودمشق فلم أجد أثراً للنبات في غير ما قرب من أبواب المدن، وعاد لبنان وما وراء لبنان لا يكونان سوى صخور عارية، وليس الجدب في أبواب القدس أقل من ذلك، ولا ترى في كل مكان سوى الحجارة والصخور، ولا تجد شيئاً من الكلأ.
[(٤) المباني التي تركها العرب في سورية]
لم تكن المباني التي تركها العرب في سورية كثيرة، وإنما يقيد درسها كثيراً لقدمها وروعتها.
ذكرنا آنفاً أنه كان للعرب مدن مهمة قبل ظهور محمد، وأنه كان في الكعبة الشهيرة أكثر من ثلاثمائة صنم، وإننا نجهل، مع الأسف، كيف كان فن العمارة العربية قبل الإسلام، وأن ما حدث في الحرم المكي، وهو البناء العربي القديم الوحيد المعروف، من