رأي الكثيرون أنه لا تاريخ للعرب قبل ظهور محمد، وحجتهم في ذلك أن العرب قبل ظهور محمد، إذ كانوا مؤلفين من قبائل متنقلة عاطلة من العنعنات، كانوا من الأجلاف الذين لم تع ذاكرة الإنسان شيئاً عنهم.
وإلى مثل هذا الرأي ذهب بعض الأذكياء المعاصرين، ومنهم مؤلف تاريخ اللغات السامية الشهير، رينان، الذي قال:«لا مكان لبلاد العرب في تاريخ العالم السياسي والثقافي والديني قبل ذلك الانقلاب المفاجئ الخارق للعادة الذي صار به العرب أمةً فاتحةً مبدعةً، ولم يكن لجزيرة العرب شأن في القرون الأولى من الميلاد حين كانت غارقة في دياجير ما قبل التاريخ، ولم يظهر بأسها وبسالتها إلا بعد القرن السادس من الميلاد».
وعندنا أن هذا الرأي فاسدٌ أول وهلة، ولو لم نعلم شيئاً عن ماضي العرب، فإن أمكن ظهور حضارة أمةٍ ولغتها بغتةً على مسرح التاريخ لا يكون هذا إلا نتيجة تضجٍ بطيء، فلا يتم تطور الأشخاص والأمم والنظم والمعتقدات إلا بالتدريج، ولا تبلغ درجة التطور العالية التي تبدو للعيان إلا بعد الصمود في درجات أخرى.
وإذا ما ظهرت أمة ذات حضارة راقية على مسرح التاريخ قلنا إن هذه الحضارة ثمرة ماض طويل، ولا يعني جهلنا لهذا الماضي الطويل عدم وجوده، وتؤدي مباحث العلم في الغالب إلى عرض هذا الماضي للناظرين.
ولم يكن أمر حضارة العرب قبل ظهور محمد غير ذلك، وإن عسر علينا أن نقول كيف كانت هذه الحضارة، فقد أثبتت الآثار والوثائق التي بأيدينا وجودها، وأنها لم تكن