وتدل جميع الدلائل على أن كل تنقيبٍ في بلاد اليمن يأتي بأحسن النتائج، فقد حدث مسيو هاليفي، الذي جاب بلاد اليمن منذ بضع سنين، ولم يسطع أن يقوم بأي حفر كان، أن العرب يعثرون أحياناً على تحف ذهبية وفضية بين خرائب اليمن، وأنه وجد بجوار الحرم غير البعيد من صنعاء مسلاتٌ ذات كتاباتٍ كثيرة، وأنه اكتشف باب معبدٍ حميري منقوشة على حجارته صور حيوانات ونباتات.
واشتري مسيو شلونبرجر في القسطنطينية حديثاً مئتي قطعةٍ من نقود ملوك اليمن التي اكتشفها عربيٌ في صنعاء فترجع في قدمها إلى ما قبل الميلاد، ولهذه النقود، التي لم يوجد منها قبل ذلك سوى قطعتين أو ثلاث قطع في جميع المتاحف الأوربية، أهميةٌ خاصة، فعلى أحد وجهيها صورةٌ جانبية لملك متوجٍ يذكرنا شعره المضفور بضفائر ملوك الرعاة الذين خرجوا من بلاد العرب وملكوا مصر زمناً طويلاً، والذين اكتشف مسيو ماريت بعض تماثيلهم المعروضة اليوم في متحف بولاق، وعلى الوجه الآخر صورة بومة، ويظهر أن رسام تلك النقود اقتبس رسومها من النقود الإغريقية التي كانت تتداولها أمم البحر المتوسط ذات العلاقات التجارية الكثيرة بالعرب.
ومهما تكن الآثار التي ألمعنا إليها آنفاً ناقصةً فإنها مما تتم به روايات قدماء المؤلفين، ومما تبصر من خلاله ازدهار حضارة العرب الغابرة التي نسيها الناس في الوقت الحاضر فتنتظر من يكشف الغطاء عنها، والتي نرتدع، بما نعرف عنها من العلم القليل، عن عد العرب همجاً، والعرب هؤلاء قد ظهروا على مسرح التاريخ قبل الرومان بقرون كثيرة، وأنشأوا المدن العظيمة، وكانت علاقاتهم بأرقى شعوب الأرض وثيقةً.
[(٤) أديان جزيرة العرب القديمة]
كانت عبادات القبائل العربية قبل ظهور محمد كثيرةً إلى الغاية، وكانت عبادة الشمس وأهم النجوم أكثرها انتشاراً، وأخذت القبائل العربية عن الأمم التي كانت تتصل بها كثيراً من آلهتها، فكان زونها جامعاً لشتى الأصنام كالألنبيا الإغريقية الرومانية.
وتدل كتابات الآشوريين التي رسمت قبل ظهور المسيح بسبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة، وما اكتشف في الصفا، على أن العرب كانوا مشركين، وأنهم كانوا يقيمون لآلهتهم تماثيل، وإليك، مثلاً، ما جاء في إحدى الكتابات الآشورية التي تشير إلى عودة أسرحدون من غزوه لجزيرة العرب الصحراوية: