واختلاط مختلف العروق أظهر ما يكون لدى أهل الحضر من العرب، ويباهي كل عربي بوجود نسوةٍ من مختلف الألوان في دائرة حريمه، ويتجلى صفاء العرق في سكان الجبال وأهل البدو من العرب أكثر مما في غيرهم، وذلك مع ملاحظة وجود أناسٍ من أهل بادية الشام الشرقية، القريبة من تدمر على الخصوص، شقرٍ في العيون بسبب اختلاطهم بأهل الشمال على ما يلوح.
[(٥) وصف الفوارق بين العرب]
إن الفارق الأساسي الوحيد بين العرب هو ما أيدته تقاليدهم وطرق معايشهم، وهو تقسيمهم إلى أهل حضر وأهل بدو، ويجب ألا يغيب هذا التقسيم الجوهري عن البال حين البحث في تاريخهم، فأما أهل البدو، وهم الأعراب الموزعون فيما بين المحيط الأطلنطي وخليج فارس، فلهم طرق معايش وعادات وطبائع لا تزال كما كانت عليه منذ آلاف السنين، ويحتمل أن تبقى هكذا إلى الأبد، وهم مقسمون، كما في العصر الإسرائيلي، إلى قبائل ترتحل عن الأماكن المقيمة بها عندما تستنفد مواشيهم ما عليها من الكلأ، وأما أهل الحضر من العرب فهم، على العكس، يتغيرون بتغير الأماكن والشعوب التي يخالطونها.
وإن تقسيم العرب إلى أهل حضرٍ وأهل بدو يطابق ما في الرواية التي قالت بتقسيمهم إلى ثلاثة عروق: العرق الذي باد وعفا أثره قبل الإسلام، والعرق المؤلف من أبناء قحطان الذين استقروا ببلاد اليمن والذين هم أقحاح العرب، والعرق المؤلف من ذرية إسماعيل الذي هو ابن جارية إبراهيم المصرية.
وتعلم مما قلناه آنفاً عن العرب المعاصرين الذين هم وليدو توالدٍ مختلفٍ أنه يتعذر وجود مثال خالص خاص بالعرب؛ بسبب ما تعرض له العرب من التمازج كتعذر وجود مثال فرنسيًّ أو إيطالي.
وأحسن وصفٍ قيل في مثال العرب الجثماني، الذي يطابق فريقاً كبيراً من العرب الخلص، هو ما ذكره الجراح الأول السابق في الجيش المصري، لاري، في الكلمات الآتية وهي:
هم مربوعو القامة، ذوو تكوين حسنٍ، ومرانةٍ ضلع سفع، وجوههم بيضة سمر وجبنهم عريضة عالية، وحواجبهم سود منفصلة، وعيونهم كحل لامعة، وأنوفهم معتدلة، وأفواههم جميلة، وأسنانهم منضدة عاجية البياض، وآذانهم حسنة الشكل غير كبيرة