للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استطاع قائدٌ أوربي أن ينتصر به في إحدى المعارك عند النطق به منذ وقت قريب، وأن يصبح سيد دولة الفراعنة التي تَطَلَّب فتحُها قبل مدةٍ عبقريةَ نابليون الحربية، ذلك الاسمَ اللاهوتي المسيطر الذي له من القدرة ما ليس لله ولرسوله مُحَمَّد، والذي يُحتَرم ويُبَجَّل في كل ناحية من تركية، ذلك هو البخشيش.

ورثة العرب الأخرون في مصر: ليست مصر تابعةً لسلطان الترك في الوقت الحاضر، وقد وقعت بين يدي إنكلترة القوية التجارية، ويمكن مَن اطلعوا على البؤس الشديد الذي شمِل بلاد الهند منذ سيطرة الإنكليز عليها أن يبصروا المصير الذي ينتظر مصر السيئة الحظ، ومما ذكرتُه في فصل سابق مقدار الضنك الذي أصاب فلاحي مصر منذ سنين بفعل مضاربين من الأوربيين، ولكن هذا الضنك يُعد أمراً ذهبياً عند مقايسته بما ينتظرهم، فسَيَرَوْن أنفسهم محاطين، كالهنود، بطرق منظمة مخيفة هادئة ساحقة عاصرة ممتصة لا تُبقي ولا تَذَر.

ويظهر أن مصير المباني العربية القديمة التي لا تزال قائمةً في القاهرة، سيكون كمصير أمثالها في بلاد الهند، أي أن تزول بسرعة، وأن تحل محلها ثُكَنٌ للجيش أو ما يماثلها، وها هي ذي الأعمال التي هي من هذا القبيل تسير سيراً يدل على أنها لا تطول في عهد السادة الجدد، وعلى القارئ أن يطالع مقالات مسيو دو رونه (المرافق لبعثة الآثار في القاهرة) الممتعة ليطلع على أعمال التخريب التي تقترف في الوقت الحاضر اقترافًا لا يصدقه العقل، وليعلم أن أنفس الآثار التي لا تقلد تُهدم بحجة فتح الشوارع وبناء الثكن.

[(٣) ورثة العرب في الهند]

المغول هم ورثة العرب الأوُل في الهند، والمغول قد وَرِثوا من حضارة العرب، وهم، وإن لم يقدروا على إنماء هذه الحضارة، استطاعوا أن ينتفعوا بها على الأقل، فتمتعت بلاد الهند الواسعة في أيامهم بالرخاء والغنى.

والإنكليز هم ورثة المغول في الهند، والإنكليز قد مَدَّنُوها، أي أنشأوا فيها الطرق والخطوط الحديدية التي يَسهُل عليهم أن يستغلوها بها، ولكنه نَجَمَ عن هذه الحضارة الجديدة أن غَرِقَت بلاد الهند في بحر من البؤس لم تَرَ بُقعة من بقاع الدنيا مثله.

والإنكليزُ عَمَلِيُّون على خلاف الإسبان الذين طَرَدوا العرب، فهم بدلًا من أن يفكروا في إجلاء الهنود رَأوا من الحكمة أن يستغلوهم بانتظام، ونحن، إذا ما نظرنا إلى الأمر

<<  <   >  >>