فآثام مثل هذه مما لم يقترفه العرب قط. والعرب أحسنوا كثيراً إلى الحضارة بنشرهم من المشاعر في أنحاء العالم ما يحول دون ارتكابها.
واعترف الكتاب القليلون الذين درسوا تاريخ العرب بفضلهم الخلقي، وإليك ما قاله العالم الثبت مسيو سيديو:«كان العرب يفوقون النصارى كثيراً في الأخلاق والعلوم والصناعات، وكان من طبائع العرب ما لا تراه في غيرهم من الكرم والإخلاص والرحمة، وكان من طبائعهم التي امتازوا بها في المحافظة على الكرامة ما يؤدي الإفراط فيه إلى المبارزة والشحناء.
وكان ملوك قشتالة ونبرة على علم من صدق العرب وقراهم، ولم يتردد الكثير منهم في المجيء إلى قرطبة؛ ليعالجهم أطباؤها المشهورون.
وكان أفقر المسلمين يحافظ على شرف أسرته محافظة أشد الرؤساء صلفاً.»
[(٤) مباني العرب في إسبانية]
استخدم العرب، في بدء إقامتهم بإسبانية، مهندسين من الروم، ولكن العرب لم يلبثوا أن أثروا بعبقريتهم الفنية في أولئك المهندسين، وبلغ إيحاؤهم في أمور الزينة مبلغاً صار يتعذر معه على أقل الناس دقة أن يخلط مبانيهم بالمباني البيزنطية.
ولم يلبث العرب في إسبانية أن تحرروا من النفوذ البيزنطي كإخوانهم في مصر، فاستبدلوا النقوش العربية الممزوجة بالكتابة بالزخرفة الذهبية، وأكثروا، كما في المشرق، من المتدليات المؤلفة من الأقواس الصغيرة التي يعلو بعضها بعضاً على شكل نخاريب النخل، فيكون منظرها ساحراً عجيباً حينما يزين بها داخل إحدى القباب كما في الحمراء، وكانت هذه الأقواس على شكل نعل الفرس الظاهر في البداءة، ثم اختلطت بأنواع الأقواس الأخرى البسيطة المصنوعة على رسم البيكارين، والأقواس المفلوقة المصنوعة على رسم البيكارين، والأقواس المنقوشة على شكل الأزهار والأغصان المصنوعة على رسم البيكارين ... إلخ، وأما الأقواس المجاوزة فقد أهملها العرب تقريباً.
ونعد جامع قرطبة الذي بني في القرن الثامن من الميلاد وبعض المباني في طليطلة من آثار الدور الأول لفن العمارة العربي بإسبانية، ونعد منارة لاجيرالدة (لعبة الهواء) الأشبيلية، التي أقيمت في القرن الثاني عشر من الميلاد، والقصر الأشبيلي من آثار الدور الأوسط لفن العمارة العربي، ونعد قصر الحمراء الغرناطي الذي شيد في القرن الرابع عشر من الميلاد عنواناً لما انتهى إليه فن العمارة العربي.