القصور، وأن دورها منازة الدور، والربض المحدق بالقصر القديم المتقدم ذكره هو في ذاته كبير القطر كثير الفنادق والديار والحمامات والحوانيت والأسواق، وله سور يحيط به وخندق وفصيل، وله في داخله، بساتين كثيرة ومتنزهات عجيبة وسقايات ماء عذبة جارية مجلوبة إليها من الجبال المحدقة ببقعتها، وبخارج الربض من الجهة الجنوبية منها نهر عباس، وهو نهر جار عليه جمل من الأرحاء الطاحنة لا يحتاج معها إلى غيرها.
وتفسر إمامة العرب في الفنون والصناعات والعلوم سبب حماية ملوك النورمان لهم، وكان الرهبان يعجبون بحذق العرب وإن كانوا يعزون اكتشافاتهم إلى السحر، وإنني أنقل، العبارة الغريبة الآتية التي وردت في كتاب تاريخي لاتيني، وذلك من بين العبارات الطريفة الكثيرة التي قيلت في العرب، وذلك للدلالة على رأي أعداء العرب في العرب، قال المؤرخ:
اكتشف الكونت روبرت ويسكارد في إحدى غزواته تمثالاً على عمود رخامي متوج بإطار من نحاس منقورةٍ فيه هذه الكلمة:«سأكون عند طلوع الشمس من اليوم الأول من شهر مايو صاحباً لتاج من ذهب»، فلم يستطع أحد أن يدرك مغزاها، ولكنه كان عند الكونت روبرت أسير من عرب صقلية عنده علم الجفر، كجميع أبناء هاجر فأخبر الكونت هذا بأن لديه مفتاح ذلك اللغز وبأنه يقول له معني تلك الكلمة إذا أطلق، فوعده الكونت بذلك، فأشار ذلك العربي عليه بأن يحفر حين طلوع الشمس من اليوم الأول من شهر مايو المحل الذي يدل عليه منتهى ظل ذلك التمثال، فصنع الكونت ما نصحه به فوجد كنزاً كبيراً.
[(٣) غزو العرب لفرنسة]
شن العرب غارات كثيرة على فرنسة بعد فتحهم إسبانية، ولم يقع ما يدل على أنهم كانوا يريدون الإقامة الجدية بفرنسة، وفسر هذا بعدم ملاءمة المناطق الباردة لهم.
والحق أن الرخاء كان يصبح حليف العرب في المناطق المعتدلة الجنوبية، وأن العرب استقروا بأقصى جنوب فرنسة زمناً طويلاً.