ويجب لكي نتمثل القرابة بين اليهود والعرب، أن نعود إلى عصر إبراهيم الذي نرى أن قبيلته الصغيرة كانت تغزو جيرانها، وتلقي الذعر فيهم، كما تغزو قبائل البدو العربية الحاضرة جيرانها وتخيفهم، ولنعلم، كما أرجح، أن أسر اليهود في مصر لم يكن سوى نتيجة غزوةٍ أسفرت عن حصر المصريين لليهود النهابين في مكان من شمال مصر لم يستطيعوا الخروج منه في زمن موسى إلا بعد إقامتهم به زمناً طويلاً، وبلوغهم من النفوس عدداً تمكنوا به من مقاومة الفراعنة، والرجوع لمدة أربعين سنة إلى حياة البادية، وما كانت حياة اليهود لتختلف، إلى زمن داود، عن حياة الصحاري التي ألفتها قبائل البدو العربية في فلسطين وجزيرة العرب.
[(٤) تنوع شعوب العرب]
يعد أكثر الأوربيين العرب عرقاً واحداً على العموم، وكل مسلم، عند هؤلاء الأوربيين، يسكن بقاع آسية وإفريقية الممتدة من مراكش إلى جزيرة العرب، هو عربي، وذلك كما يعد العرب جميع الأوربيين من إنكليز وألمان وطلاينا وروس أمة واحدة يسمونها الإفرنج.
والحق أن تمثل الأوربيين للعرب على هذا الوجه هو من عدم الصحة كتمثل العرب للأوربيين، وذلك أنه يوجد بين العرب مثل كالتي تشاهد في أوربة، وأن العرب قد انتهوا، بما صادفهم من البيئات، وبما اختلطوا به من الأمم، إلى أمزجة كثيرة معقدة إلى الغاية.
وعلى ذلك أصبح عرب مكة، بعد أن كان يتألف منهم عرق خالص في الماضي، مزيجاً من أبناء مختلف الشعوب المنتشرين فيما بين المحيط الأطلنطي ونهر السند والذين يحجون مكة في كل سنة منذ زمن محمد، وقل مثل هذا عن عرب إفريقية وسورية الذين اختلطوا بالفينيقيين والبربر والترك والكلدان والتركمان والفرس والأغارقة والرومان، ولا تستثن من هذا أجزاء جزيرة العرب الوسطى المنعزلة، كبلاد نجد، التي اختلط أهلوها بالزنوج على نسبٍ واسعة منذ قرون.
واستوقف تأثير الزنوج في سكان جزيرة العرب نظر جمع السياح الذين ارتادوها، ومن ذلك أن روى روتا وجود بقعة في اليمن صار سكانها من أصحاب الجلود السود على وجه التقريب، مع أن سكان الجبال من أهل اليمن الذين قل اختلاطهم بالآخرين ظلوا بيضاً، وإن قص هذا السائح، في معرض الكلام عن أسرة أحد رؤساء تلك البقعة، أنه «يوجد في أبنائها جميع الألوان التي تترجح بين الأسود والأبيض تبعاً للعروق التي