ومن سوء حظ المملكة القوطية أن كان النظام الملكي القوطي قائماً على الانتخاب، وأن كان المرشحون للعرش كثيرين، فيقتتل أنصار هؤلاء المرشحين على الدوام، ويمرقون باقتتالهم المملكة القوطية، ولذا لم يكن الأشراف ممن يركن إليهم.
نزاع اجتماعي، وفتن داخلية، وفقدان للروح العسكرية، وفتور عن الدفاع بين الأهلين المستعبدين، هذه هي الحال التي كانت عليها مملكة القوط حين ظهور العرب، وكان من المنافسات التي تمزق الدولة القوطية أن تنقل الأمير يليان ورئيس أساقفة إشبيلية، وهما من علية الإسبان، فتح إسبانية على العرب.
[(٢) استقرار العرب بإسبانية]
دخل جيش إسلامي مؤلف من اثني عشر ألف جندي بلاد إسبانية في سنة ٧١١ م، أي في زمن الخليفة العاشر الذي كانت دمشق عاصمته.
ومن يقطع القسم الجنوبي الخصب من بلاد إسبانية يعلم مقدار التأثير الذي أثر به في نفوس العرب حينما استولوا عليه؛ فقد بهرتهم تربته وهواؤه ومدنه ومبانيه.
ووصفت إسبانية في كتاب أرسله قائد الجيش العربي إلى الخليفة الأموي بأنها:«شامية في طيبها وهوائها، يمنية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منافع سواحلها.»
واستولى المسلمون على ساحل إسبانية مبتدئين بجبل طارق الذي اقتبس اسمه من اسم طارق بن زياد البربري الذي هو من رجال القائد العربي موسى بن نصير.
وكان العرب قد قضوا خمسين سنة في فتح إفريقية البربرية، ولم يقضوا سوى بضعة أشهر في فتح جميع إسبانية النصرانية، وتقرر مصير مملكة القوط في المعركة الأولى المهمة التي خاض المسلمون غمارها، والتي كان رئيس أساقفة إشبيلية حليفاً لهم فيها، والتي تخسر القوط فيها ملكهم وخسروا إسبانية.
وعجب موسى بن نصير من ذلك النصر السريع الذي لم يتوقعه، ولا غرو، فقد كان يتصور ما لاقاه من الشدائد في فتح إفريقية، وكان يعتقد أنه سيلقى في أوربة من الشجاعة وحب الاستقلال ما لقيه في البربر، فلما تبين له خطؤه أراد أن يشارك طارق بن زياد في مجد الفتح؛ فعبر البحر بجيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي عربي وثمانية آلاف جندي بربري، ليواصل فتح إسبانية.