الحضريين يدفعون إلى الأعراب في كل سنةٍ من المال ما يقابل حمايتهم لهم، وأن الأعراب يذبون عن الحضريين طمعاً فيما يأخذون منهم، وهذا يعني أن الحضريين يتركون بعض غلاتهم ليُنقِذوا بقيتها، وهذا لا يختلف، في غير الشكل، عما يدفعه الرجل المتمدن إلى إحدى شركات التأمين من المبالغ لتضمن له ماله، ولا عما يدفعه إلى الحكومة من الضرائب؛ لتؤديَ منها رواتب الشُّرَط والقضاة وسائر الموظفين الذين يكفُّون الأذى عنه.
والحق أن أولئك العرب، الذين لم تكن لهم حكومة لتدفع رواتب إلى الشرط والجند ولتمنع بذلك سلبهم، يضطرون إلى مداراة قطاع الطرق، والنتيجة واحدة، وليست النفقات أشد وطأً.
وتصبح القبائل البدوية حليفةً للقرى المجاورة في مقابل ما تدفع إليها هذه القرى من الأتاوى، وتقوم بالدفاع عنها إزاء الأعراب الآخرين الذين يمكنهم أن يهاجموها، ولا يحدث مثل هذا الهجوم إلا نادراً لقلة ما يظفرون به من الغنائم من غزوهم لقرية تحافظ عليها قبيلة أخرى.
وتشابه مساكن حضريي حوران مساكن سورية، فيتألف كل بيت فيها من جناح للغرباء، ومن جناح للأسرة، ومن مرافق وساحاتٍ وأَصابل وما إليها، وتحيط الحواجز بِغِمَاء البيت، ويُصنع هيكله من الخشب وجدره من الصلصال، ويتألف أثاثه من الفُرُش التي ينام عليها.
[(٣ - ٢) المساكن]
لندع الآن جانبًا حياة العرب الاجتماعية، وهم الذين اتخذتهم مثالاً، ولنتكلم قليلاً عن حياة العرب المنزلية في مختلف الأرياف فنتحدث عن منازلهم وطعامهم وأزيائهم: إن بيوت طبقات العرب الوسطى والدنيا على جانب كبير من البساطة، وهي تختلف عن بيوت أغنياء العرب الزاهية التي سنصفُها في الفصل الآتي.
وطراز تلك البيوت العام واحد في الشرق كله، وهي تفقد كثيراً من مظاهرها الشرقية الأصلية في البلاد التي صار للأوربيين نفوذ فيها، وليذهب إلى بعض القرى في سورية والجزائر ومراكش من يرغب في رؤية تلك البيوت المربعة البيض ذات السطوح والشكل المكعب والفُرَج الضيقة، والتي تكتسب منظراً عريقاً في شرقيته عندما يحيط النخل بها.
وتختلف أنواع المواد التي تُبنى بها تلك المنازل، كالحجارة والمُلُط وغيرها، باختلاف البلدان والبيئات، فإذا نظرت إلى منازل العرب القائمة على ضفاف النيل، مثلًا، رأيتها