ويتَّصِف ابن خلدون، الذي وُلِد في سنة ١٣٣٢ م، بروح النقد التي تكلمنا عنها آنفاً، وألف ابنُ خلدون تاريخ البربر حيث عَرَضَهم بادئاً بمبادئَ رائعةٍ في النقد التاريخي، وتُرجم كتابُه هذا إلى الفرنسية.
وألف المقريزيُّ، المعاصر لابن خلدون، تاريخاً عن مصر يُعَدُّ أحسنَ مصدر للبحث فيها، ويظهر أن هذا التاريخ قِسْمٌ من ثمانين مجلداً له في التاريخ العام.
وألَّف النويريُّ، المتوفىَّ في مصر سنة ١٣٣١ م، موسوعةً تاريخية كبيرة.
وألَّف صاحب حماة أبو الفداء، المتوفىَّ سنة ١٣٣١ م، والمشهورُ بأنه من علماء التاريخ والجغرافية ومن رجال الحرب معاً، كتاباً في أخبار البشر عظيمَ الفائدة في معرفة ما هو خاصٌّ بالشرق.
وكُتُبُ التراجم عند العرب كثيرةٌ أيضاً، وأشهرُها كتابُ المكتبة الشرقية (كشف الظنون) الذي ألَّفه حاجِّي خليفة المتوفىَّ سنة ١٦٥٨ م، والذي هو معجم لأسماء نحو ١٨٥٠٠ كتاب شرقي، والذي أَلْحَقَ فيه اسم كلِّ كتاب منها باسم مؤلفه مع بيانٍ عنه.
[(٣ - ٥) البيان والبلاغة]
اهتم مؤلفو العرب بالأسلوب كثيراً، وكثُرَت كتبهم في البلاغة والنحو، فأحصى الغزيريُّ في مكتبة الإسكوريال، وهي التي ليس فيها سوى القليل من كتب الأدب العربي، التي تَفَلَّتت من يد الإبادة والتخريب، أكثر من ثلاثمائة كتابٍ في البلاغة، ولم تُنْقل هذه الكتب إلى اللغات الأخرى، ولا أرى كبيرَ فائدةٍ في نقلها إليها؛ لأن من شأن علم النحو والبلاغة تهذيبَ الأسلوب، لا ابتداعه، ولأن بدائعَ الفن، لا كتبَ النحو، هي التي يجب درسها للحكم في آداب الأمة، ولأن علم النحو وعلم البلاغة وليدا آداب الأمة.
ولا نستطيع أن نحكم في بلاغة العرب من رسائلهم في البيان وفي النحو، وما كان العربُ ليَعْرِفوا غيرَ البلاغة الدينية خارجَ التعليم الجامعي، وما كان نظامهم السياسيُّ ليحتمل غيرَ هذا، والحق أن البلاغة الدينية ذاتُ سلطان عظيم على النفوس في الشرق، ولكن ما أسفرت عنه قرائحُ خطبائهم لم يَنْتَهِ إلينا.
وليس ما تقدم سوى خلاصةٍ لخلاصةِ تاريخ آداب اللغة العربية، ومع ذلك فإنه يكفي للإلمام بأهمية آثارهم الأدبية وتنوعها، ولن يكون لنا هدفٌ غيرُ هذا في كتابٍ مُجمَل كهذا الكتاب.