للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«إن التعليم كثيرُ الانتشار في دوائر الحريم، وليس من القليل أن تجد نساءً متزوجاتٍ وغيرِ متزوجاتٍ تجيد كلُّ واحدة منهن العربية والفرنسية والإنكليزية والتركية تكلماً وكتابة، فإذا ما اجتمع عددٌ كبير من المسلمات الراقيات في دوائر الحريم تحادثن باللغة الفرنسية غالباً»، وأما أنا فلم أشاهد عدداً كبيرًا من الباريسيات اللاتي يتكلمن بأربع لغاتٍ تكلماً صحيحاً أو غير صحيح.

ولا تَقُل: إن طرق حياة النساء في الشرق مانعةٌ من تعليمهن في كل وقت، فقد رأيتَ مما تقدم أن عدد النساء اللاتي اشتهرن أيام ازدهار حضارة العرب بعلومهن كان كثيراً إلى الغاية، ولم يستند الكتُّاب الذين تحدثوا عن جهل المرأة الشرقية إلا إلى حال الإماء اللاتي يُجلبن من أقاصي الأقطار، ويُشترين من أسواق النِّخاسة ويشاهَدن في بعض دوائر الحريم، وما هؤلاء الكتَّاب إلا كمن يَستنبط رُقيَّ السيدة الباريسية الفاضلة من حال خادمة غرفتها.

[(٤) الحريم في الشرق]

كلمة «الحريم» لفظٌ عام يدل عند العرب على كلِّ ما هو مقدس، فإذا ما طُبِّقت هذه الكلمة على منزل دَلَّت على أمنع قسم منه وأشدِّه حرمةً لدى المسلم، أي على المكان الذي تسكنه نساؤه.

ويَنسج الأوربيون، على العموم، أفسد الآراء حول دوائر الحريم في الشرق، ويَعُدُّون دوائر الحريم دُورَ فسقٍ يسكنها نساءٌ سجينات تَعِسات يَقْضِين أوقاتهن في البطالة ويَلعنَّ حظهنَّ.

وقد بيَّنا درجة بُعدِ هذه الأحكام من الصحة، ويقضي جميع الأوربيين الذين يدخلون دوائرَ الحريم كلَّ العجب من حب النساء فيها لأزواجهن، ومن تربيتهن لأولادهن، وتدبيرهن لأمور منازلهن، ورضاهن بما قُدر لهن، واعتقادهن تقهقرهن إذا ما حُمِلن على تبديل حال الأوربيات بحالهن، وهن يتوجعن بإخلاص من إلزام الأوربيات بالأشغال وبالأعمال اليدوية مع أنهن لا يعتنين إلا بأسُرهن وأزواجهن ذاهباتٍ إلى أن المرأة خُلِقت لهذا.

وينظر الشرقيون إلى الأوربيين الذين يُكْرِهون نساءهم على التجارة والصناعة والأشغال ... إلخ، كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جَرِّ عَرَبة أو إدارة حجر رحًى، فيجب ألا يكون على المرأة، عند الشرقيين، غيرُ إدخال السرور إلى قلب الرجل

<<  <   >  >>