والأوربي في نظر العربي أو البربري سيد يعانيه ما ظل مغلوباً على أمره، فإذا
سنحت الفرصة للتحرر منه لم يحجم عن اهتبالها.
[(٢) استقرار العرب بإفريقية]
لاقى العرب في فتح إفريقية من المصاعب ما لم يلاقوه في فتح مصر، ولم يستقر أمرهم بها إلا ببطء شديد، أي أن البربر لم يتوانوا عن مقاتلة العرب، وإنهم استردوا استقلالهم غير مرة.
وخضعت إفريقية الشمالية للوندال، الذين أتوا من إسبانية، أكثر من مائة سنة (٤٢٩ م-٥٤٥ م) بعد أن خضعت للرومان عدة قرون، ثم طردهم منها جيش جوستينيان الذي أرسله بقيادة بيليزير، ثم استولى قوط إسبانية عليها، وكان القوط مالكين لبعضها حين ظهور العرب على مسرح التاريخ.
ويحيط بتاريخ ولايات إفريقية شيء من الغموض أيام الفتح العربي، ونعلم مع ذلك، أن إفريقية كانت على شيء من الطمأنينة والهدوء وقتما أراد القيصر هرقل أن يمنع تقدم العرب، فكان هذا القيصر يفكر في السفر بحراً إلى قرطاجة؛ ليتخذها عاصمة له بدلاً من القسطنطينية التي كانت تأكلها الفتن.
ولم يكن سكون إفريقية غير مؤقت، والواقع أن إفريقية كانت ميداناً لمختلف المذاهب الدينية التي تقيمها وتقعدها فضلاً عن غزو الأجنبي.
نعم، أصبحت إفريقية نصرانية كمصر، ولكن انتحالها للنصرانية لم يتم إلا بعد أن أريقت سيول من الدماء، وذلك أن قسطنطين، لما جلس على العرش، رأى تلك المذاهب الدينية سبب كل اضطراب وهيجان فلم ير غير قهرها بالأسنة والسيوف.
وأنشأ الرومان والبيزنطيون مدناً مهمة في إفريقية، وزينوها بمختلف المباني التي لا تزال خرائبها باقية، وكان نفوذهم محلياً، ولم يعد هذا النفوذ حدود المدن، فبدوا فاتحين لإفريقية أكثر من أن يكونوا مستعمرين لها.
وكانت مقاومة الروم للعرب في شمال إفريقية ضعيفةً كما في مصر، ولولا البربر لتم للعرب فتحها بسرعة، ونشأ عن استبسال البربر في مقاومة العرب أن اضطر العرب إلى خوض خمس معارك هائلة، وقعت في نحو نصف قرن؛ ليكونوا سادة شمال إفريقية.
وكانت غزوة العرب الأولى في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة (٦٤٤ م)، وكانت ولاية برقة القريبة من مصر أول ما استولوا عليه، ثم فتحوا ولاية طرابلس الغرب،