النيل كان ٣٦٠٠٠، فتستخدم في الوسق والتفريغ، ويرى من أثمان السلع التي ذكرت في رحلة أحد أصحاب فاسكودوغاما أن مكاسب خلفاء مصر منها كانت وافرة إلى الغاية، وأن الأبازير والتوابل كانت تباع في القاهرة بثمن أعلى مما عليه في كلكتة خمس مرات.
ودام مصدر الثراء الواسع هذا إلى أن جاوز فاسكودوغاما، في سنة ١٤٩٧ م، رأس الرجاء الصالح، وبلغ شاطئ ملبار الذي لم يره أوربي قبله، والذي لم يختلف إليه أحد غير العرب حتى ذلك التاريخ.
وكانت الضربة التي نزلت بثروة خلفاء مصر بسبب هذا الاكتشاف عظيمة جداً، ولم يستطع الخلفاء أن يمنعوا بأساطيلهم البرتغاليين من الاستقرار بالهند، ومن القضاء على تجارة العرب في الشرق الأقصى، أي على المصدر الأصلي لثروة ملوك مصر.
[(٤) مباني العرب في مصر]
مصر هي البلاد الوحيدة التي ترى فيها المباني العربية القائمة منذ الدور الإسلامي الأول، والتي يمكن الباحث أن يدرس فيها تحول فن العمارة العربي في مختلف الأدوار.
وإذ كان جميع تلك المباني العربية القديمة القائمة هو من المساجد على وجه التقريب، وكان أهمها في القاهرة، كان من السهل درسها.
وظلت مدينة القاهرة، وإن شئت فقل أقسامها البعيدة من الأوربيين على الأقل، عربية تماماً، ولنا بحالها الحاضرة، فكرة عما كانت عليه في عصر الخلفاء.
والناظر إلى القاهرة من بعيد يراها ذات طابع شرقي يستوقف النظر، أي يراها ذات طابع لا يشاهد مثله في أية مدينة أخرى على ما يحتمل، فهي مؤلفة من بيوت بيض ذوات سقوف مستوية يشرف عليها مئات من المآذن الهيف منفصلة عن النخل ارتفاعاً، وتسحر القاهرة من ينظر إليها من أعلى القلعة، ولا أعلم مدينة تسحر القلوب بمنظرها كالقاهرة.
وشوارع القاهرة ضيقة متلوية غير منتظمة كشوارع كل مدينة شرقية، وتكاد أطناف نوافذ البيوت في أحياء مصر القديمة، على الخصوص، تتماس، والحكمة في ضيق تلك الشوارع هي الاستكثار من الظل واستبقاء الرطوبة، ومن يقطع شوارع القاهرة وميادينها الكبيرة التي أنشئت على النمط الأوربي تحت وهج الشمس يعلم سر تفضيل الناس، في مثل ذلك الجو، للشوارع الضيقة المملوءة بالظل على الشوارع الواسعة التي تلهبها نار الشمس على الدوام.