لم يَعِرف القدماء من جزيرة العرب سوى الشيء القليل، ولم يَتحدَّث هيرودوتس عنها في أكثر من بضع كلمات، ولا يُؤبه للأخبار الناقصة التي أتى بها إسترابون وديودورس الصَّقليُّ، وهما اللذان أسندا إلى جزيرة العرب من المنتجات، في الغالب، وما كانت تصدره إليها بلاد الهند فتصدرها إلى الخارج، وذكر بطليموس -ويظهر أنه عرف جزيرة العرب أحسن مما عرفه أولئك- أنه كان في بلاد اليمن ١٧٠ مدينة، وعدَّ من هذه المدن خمس عواصم كبيرة.
ومعرفة الرومان لجزيرة العرب كانت ضعيفةً إلى الغاية، وحاول الرومان غير مرة، تدويخ جزيرة العرب التي كانوا يعتقدون أنها تنتج من التوابل والأبازير والعطور والنسائج والحجارة الكريمة ما كانت تستورده من بلاد الهند والصين بالحقيقة، ولكنهم وهم الذين كانوا سادة العالم، لم يستطيعوا أن يقهروا قبائل البدو العربية التي احتمت بكُثبان الرمال وجوَّ البلاد.
ولم يتوغل الأوروبيون في جزيرة العرب إلا حديثاً، ولم يعرف عنها الأوربيون، قبل نيبوهر الذي زارها سنة ١٧٦٢ م، سوى ما أخذوه عن جغرافي العرب أو عن بطليموس من المعارف المبهمة، ونرى الخريطة التي رسمها نيبُوهر أُولى الخرائط العلمية عن جزيرة العرب، مع اقتصاره على السياحة في قسم من بلاد اليمن.
وانقضى نصف قرن بعد نيبوهر من غير أن يقوم سائح آخر بارتياد جزيرة العرب، فلما كانت سنة ١٨١٥ استأنف بُركهارد البحث، فجمع أنباءً رائعةً عن جزيرة العرب، ولاسيما مكة والمدينة، وما قامت به مصرُ حوالي تلك السنة من غزوٍ ضد الوهابيين كان فاتحة بحثٍ واسع عن مختلف أقسام جزيرة العرب، ثم جاب جزيرة العرب سيَّاحٌ كثيرون نذكر منهم وَاليم (سنة ١٨٤٥) وبُرتُون (سنة ١٨٥٢) وبلغريف (سنة ١٨٦٢) الذي زار في أواسط جزيرة العرب، أماكن كانت مجهولة قبله تماماً.
وقسَّم القدماء جزيرة العرب إلى ثلاثة أقسام: بلاد الحجر العربية (بطرا)، وهي القسمُ الشماليُّ الغربيُّ من جزيرة العرب، وبلاد العرب السعيدة، وهي القسم الجنوبي الغربي منها، والصحراء العربية، وهي قبلها وشرقها.
فأما بلاد الحجر الغربية (بطرا) فتشمل على القسم الواقع بين فلسطين والبحر الأحمر، وأما الصحراء العربية فهي البادية الكبرى التي تمتدُّ من حدود سورية والعراق