هنالك حانت ساعة انحطاط مصر، ثم شملها سلطان الأوربيين الحديث الخفي فلم يزدها إلا انحطاطاً.
وصارت مصر ولاية تركية، ولم يلبث المماليك الذين قهروا في بدء الأمر أن عاد إليهم نفوذهم الحقيقي، وكان المماليك من أشد من حاربهم نابليون، ولم تنج مصر منهم إلا بفضل الجبار الذكي محمد علي الذي قتلهم على بكرة أبيهم.
وكان المماليك يجمعون بانضمام أناس إليهم من الخارج، أي كان شراكسة مصر يشترون الموالي من بلاد الشركس؛ لإتمام عددهم ما دام جو مصر القتال لا يلائم تناسل الأجانب، وكان شراكسة مصر ينقادون لفريق من بكواتهم الذين ظلوا يختارون أجمل غلمان الشركس لكتائبهم.
[(٣) حضارة العرب في مصر]
استقت حضارة العرب في مصر من الينبوع الذي استقت منه حضارتهم في سورية وبغداد، وقامت حضارتهم في مصر بعناصر اقتبسوها من البيزنطيين على الخصوص، ودلت مباني العرب الأولى في مصر على ذلك المصدر، ولم يلبث العرب أن تحرروا من المؤثرات الأجنبية كما تدل عليه مبانيهم التي أقيمت بعد مباني الزمن الأول.
ويتصف عصر الفاطميين، الذي بلغت حضارة العرب فيه بمصر ذروة الرقي، بنضج الفنون، وما تؤدي إليه الفنون من الصناعات، وبارت القاهرة بغداد في الفنون لا العلوم، فمدارس القاهرة لم تبلغ من الشهرة ما بلغته جامعات بغداد، وسنعود إلى هذا حينما نبحث في النواحي الثقافية من حضارة العرب التي لا نبحث في غير قسمها المادي الآن.
وزاد دخل خلفاء مصر على دخل خلفاء بغداد في نهاية الأمر، وذلك بفضل خصب أرضي مصر وصلاتها التجارية التي سنتكلم عنها في فصل آخر، وكان خلفاء مصر يقفون معظم ذلك الدخل على أمور الترف وبناء القصور، ولم تكن نفقات الإنشاء في ذلك العهد باهظة في وادي النيل ما دامت أجرة البناء اليومية في أوائل القرن الحاضر ثمانين سنتيماً، وأجرة الحفار خمسة عشر سنتيماً، وثمن متر حجر البناء المكعب، ومنه أجرة قلعه ونقله، فرنكاً واحداً وعشرين سنتيماً.
وضربت الصناعة والصياغة والحياكة والنجادة والزخرفة بسهم كبير في الكمال في زمن الفاطميين (٩٧٢ م-١١٧١ م) كما روى المؤرخ العربي المقريزي الذي جاء البحث