تجده متيناً إلى الغاية، فقد قاوم تقلبات الجو مدَّةَ خمسة قرون من غير أن يحتاج إلى ترميمٍ ذي بال.
وأهم ما يختصُّ به قصر الحمراء ويتميز به من القصر الأشبيلي على ما أرى، هو ما يأتي: جُدُرُه المغطاةُ بقطعٍ ملوَّنة مصنوعة في القوالب، وعَمَده الخفيفة الأفقية الخطوط الحاملة تيجاناً منقوشة على شكل الأغصان المتشابكة، ونوافذه المؤلفة من الأقواس ذات الحنائر والمنقوشات على شكل الأزهار والمحاطة بأطر قائمة الزوايا، وسقوفه المغطاة بالمتدليات.
ولا يجد الإنسان في مصر قصوراً عربيةً معاصرة لقصر الحمراء، ولكننا إذا حكمنا بأن زخارف قصور مصرَ كانت مشابهة لزخارف مساجدها رَجَح عندنا وجود فروقٍ مهمة بين قصور ذينك القطرين، أجل، إن هنالك تقارباً بين الفنِّ العربي في مصر وبينه في الأندلس، ولكنهما لم يُبديِا سوى تشابهٍ بعيدٍ في جميع وجوههما.
وكان تأثير فنِّ عِمارة العرب في فن عمارة النصارى الذين حلُّوا محلهم في إسبانية عظيماً إلى الغاية، وكان النصارى يستخدمون العرب -قبل إجلائهم- في إقامة مبانيهم أو إصلاحها، فنشأ عن تمازج الفنين ظهورُ الفن المُدَجَّن الجديد كما ذكرنا ذلك في فصل آخر، وسنأتي بأمثلةٍ كثيرة على ذلك في الفصل الذي خصَّصناه لدرس تأثير العرب في أوربة.
ويُرَى طِرازٌ خاص قريب من الطراز العربي يمكن تسميته بالطراز العربي الإسرائيلي، وذلك خلا الطِّراز الذي ذكرته، وذلك في معابد اليهود القديمة التي أقُيمت في إسبانية، ولا يختلف هذا الطرازُ عن الطِّراز العربيِّ إلا باستخدام الحروف العبرية في زينته وبالأغصان والأوراق العريضة في زخارفه، ونَعُدُّ كَنِيسَ الترانسيتو وكنيس سَنتا مارية لابلانكا في طليطلة أمثلة بارزة على هذا الطِّراز الذي لا يخلو من مؤثِّرات الدور البيزنطي.
[(٣ - ٦) مباني بلاد الهند]
مباني المسلمين في الهند دليلٌ واضح على التطورات التي يمكن أن تتَّفِق لفن عمارة أمة بتأثير العروق التي تتصل بها.