كانوا يدورون حول بلاد العرب ويَبْلغون موانئ البحر الأحمر، ولا سيما عدن، وكانت السلع التي تصل إلى الخليج الفارسي تُرسَل إلى بغداد، وترسل من بغداد إلى جميع المدن المجاورة بواسطة القوافل، وكانت السلع التي تُنزَّل في عدن ترسَل منها إلى السويس فإلى الإسكندرية وإلى جميع مدن سورية الساحلية، وكان تجار جنوة وفلورنسة وبيزة وكَتَلُونة ... إلخ. يجيئون ليبحثوا عن هذه السلع ويُرسِلوها إلى أوربة، وكانت مصر خط وصل بين الشرق والغرب، وكانت هذه التجارة العظيمة من موارد غِنى الخلفاء المهمة كما بَيَّنا ذلك.
وكانت السلع التي تُنقَل على تلك الطرق المختلفة كثيرةً، وكانت تُبادل، في عدن مثلاً، منتجاتُ الصين والهند بمنتجات بلاد الحبشة ومصر، وإن شئت فقل كان يبَادَل فيها أرقَّاء بلاد النوبة والعاج والتبر بمنسوجات الصين الحريرية وخَزَفها المطلي وبمنسوجات كشمير، ولا سيما بالأبايرز والعطور والخشب الثمين.
[(٢) صلات العرب بالصين]
ترجع صلات العرب غيرُ المباشرة بالصين، بواسطة الهنود، إلى ما هو أقدم من ظهور محمد بزمن طويل، ولكن صلاتهم المباشرة بها لم تحدث إلا بعد أن أقاموا دولتهم.
وكان العرب يتَّصلون بالصين بطُرقٍ برية وطرق بحرية كاتصالهم ببلاد الهند، وكانوا يذهبون إلى الصين بحرًا من شواطئ بلاد العرب أو من موانئ الخليج الفارسي، فيصلون على جنوبها تواً.
وكان العرب يقومون برحلاتٍ متواصلة إلى بلاد الصين، ومن أقدمها الرحلة التي تكلمنا عنها في فصل آخر حيث ذكرنا أن التاجر سليمان هو الذي قام بها في سنة ٨٥٠ م، ومما يثبت كثرة صلات العرب بأهل الصين: ما كان من تبادل الوفود بين الخلفاء السابقين وملوك الصين، فضلًا عما هو مسطور في سجلات بيت مال الخلفاء من بيان للسلع الصينية.
ومع ذلك يبدو أن طريق البحر لبلاد الصين كانت غيرَ مسلوكةٍ كما يجب، وكان سلوك طريق البر بواسطة القوافل أعظم يسرًا أو أكثر استعمالاً، وكانت السلع التي يؤتى بها من الصين إلى مدينة سمرقند التركية تُرسل رأساً إلى مدينة حلب في آسية الصغرى؛ فتُوزَّع منها على أهمِّ مدن الشرق.