وإذا أردنا أن نحكم في الأمر مستعينين بالمباني التي لا تزال ماثلةً قلنا: إن الفن العربي عانى باستمرارٍ تأثيرَ الفن البيزنطي في إفريقية الشمالية، مع استثناء مراكش، وإنه لم يستطع أن يتخلص منه كما تخلص في مصر والأندلس.
[(٣ - ٤) مباني بلاد صقلية]
إن قصر العزيزة وقصر القبة القائمين بالقرب من مدينة بلرم هما العمارتان المهمتان العربيتان اللتان أقيمتا في صقلية في أواسط القرن العاشر من الميلاد، ولا يشاهَد في مكان قصرٌ عربيٌّ له من القِدَم ما لهما، وهذا يجعل لدرسهما فائدةً عظيمة، وإن مما يزيد في أهميتها إنما هو الظنُّ الغالب بأنهما مشابهان لما كان في إفريقية الشمالية من القصور نظرًا إلى الصِّلات القديمة التي كانت بين عرب البلدين في غابر الأزمان، وكونُنا نستطيع أن نَتَمَثل بهما قصور إفريقية.
وقد كان قصرُ العزيزة وقصر القبة حِصنين ومسكنين في آنٍ واحد، وقد قاوما تعاقب القرون لبنائهما من الحجارة المنقوشة الملتصق بعضها ببعض التصاقًا محكمًا. وشكل قصر العزيزة الواقع بالقرب من بَلَرْم مُكعب واسع، ويبدو للناظر إلى جدره أنها مؤلفة من أقواسٍ طويلة مصنوعة على رسم البيكارين صنعاً خفيفاً ومحيطة بنوافذ مزدوجة ذات أعمدة صغيرة، وُسِترَ الإفريز، الذي أعُدَّ ليكون تاجاً وحاجزاً، بالخطوط القرمطية التي بقي بعض آثارها، ونشرتُ في فصل آخر من هذا الكتاب صورةً عن التي رسمها جيرول دوبرانجه لإحدى رِداهه كما كانت منذ أربعين سنة، فظهر منها أنه ذو زخارف بسيطةٍ أنيقة ومتدلياتٍ مشابهة لما في مباني الأندلس.
ومن الصعوبة أن نعرف هل غيَّر عمال العرب طرازَ قصر العزيزة الأصلي أولاً حينما رمَّموه في عهد ملوك النورمان.
ويُرى قصر القبة غير بعيد من قصر العزيزة كثيراً.
ويختلف قصر العزيزة وقصر القبة عن قصور العرب في إسبانية بشكلهما الخارجي وأقواسهما الطويلة المصنوعة على رسم البيكارين وانتظام شكليهما، ولا أرى شبهاُ بينهما وبين المباني المصرية، وذلك خلافاً لجيرول دُوبرَنْجِه، وذلك مع ما قمتُ به من البحث والتدقيق، وذلك خلا مماثلتهما البعيدة لبعض أجزاء جامع قلاوون.