للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الرابع

العرب في مصر

[(١) حال مصر حين الفتح العربي]

درسُ شأن العرب في مصر ذو فائدة عظيمة، فمصر من البلدان التي طالت إقامة العرب بها، وهي من البلدان التي أنشأوا فيها دولة مهمة، وهي من البلدان التي كان تأثيرهم فيها أعظم مما في أي بلد آخر، ولا شيء يستوقف النظر كحفدة قدماء المصريين الذين قاوموا نفوذ الأغارقة والرومان على الخصوص، ثم اعتنقوا دين العرب ولغة العرب وحضارة العرب الغالبين، وصاروا عرباً خالصي العروبة، وفي فارس والهند امتزجت حضارة العرب بالحضارة السابقة، وفي مصر توارت أمام حضارة أتباع النبي الجديدة حضارة الفراعنة القديمة وحضارة اليونان والرومان التي تنضدت فوقها في قليل من المدن.

وتثبت دراسة آثار العرب الماثلة في مصر أن ذلك الاستبدال كان تاماً، والعرب لم يقتبسوا شيئاً من المباني القديمة الكثيرة التي وجدوها في أنحاء القطر المصري.

وتنطوي دراسة العرب في مصر على فائدة عظيمة من الناحية الإثنوغرافية، وقد ذكرنا في فصل سابق أنه لم ينشأ عن توالد العرب والمصريين عرق جديد وسط بين العرقين، وأن المصريين الذين صاروا عرباً باللغة والدين والحضارة لم يصيروا عرباً بدمائهم، فالشبه الوثيق بين فلاحي شواطئ النيل المعاصرين ووجوه أجدادهم المنقوشة على آثار العصر الفرعوني يدل على أن دم القدماء لا يزال يجري في عروق أهل مصر.

ورأى العرب حينما استولوا على مصر أنهم في بلاد تختلف بطرق معايشها وبيئتها عن جزيرة العرب وسورية، وكان كل شيء في مصر، من حضارة وسكان وأرض وجو، جديداً غير مألوف لديهم.

<<  <   >  >>