ومن يرغب في اجتلاء عظمة القدس وجلالها فليصعد في جبل الزيتون على الخصوص، ثم ليرجع البصر ليرى القدس الزاخرة بالقباب والمآذن والأسوار والبروج ذات الشرفات والبيوت ذات الباحات.
وما في القدس من الذكريات يكفي وحده؛ لجعلها موضع تمجيد، ولاجتذاب الحجاج إليها من أقصى أقطار الأرض، ويا لسحر تلك الذكريات ويا لروعتها في قلوب المؤمنين الذين يزورون القبر المقدس وجبل الزيتون ووادي قدرون ووادي يهوشافاط وضريح العذارء وتربة ملوك اليهودية والطريق المقدس وجبل صهيون ... وما إلى ذلك من الأمكنة التي تكثر في الجوار!
ومهما يكن المرء ملحداً فإنه لا يستطيع ألا يكترث للقدس التي هي منبت إحدى الديانات الكبرى، ويخيل إلى الإنسان أن ظل المسيح يشرف على القدس التي شهدت وفاته، ولا يزال اسمه يطن فيها، وليس بجائز أن يبحث بحثاً عميقاً في أمر هذه الأماكن المقدسة؛ لما في هذا من حط لنفوذها، والخيال الذي أملاه الإيمان المتين هو الذي دل عليها مع ضياع أثرها منذ زمن طويل، فهل تلك الحديقة هي حديقة الزيتون التي ندب المسيح فيها حظه؟ وهل تلك الطريق هي الطريق التي مشى عليها المسيح ليصلب؟ وهل ذلك القبر الذي يعظمه النصارى هو القبر الذي ضم جثمان المسيح بعد موته؟
إن علم الآثار الحديث شديد في أجوبته عن هذه الأسئلة، فهو يقول: إن القدس الحاضرة قائمة، عدة أمتار، على أنقاض القدس الماضية التي أمر بهدمها تيطس، فيتعذر رسم خططها القديمة، ولكن الإيمان وحده يكفي المؤمن، ولا غرو، فالإنسان لا يقدس غير الخيالات، والقديم منها أكثر ما يكرم؛ لأنه أكثر ما أكرم.
[(٤ - ٤) برج الرملة العربي]
أذكر برج الرملة من بين مباني العرب القديمة القليلة في سورية، ويقوم هذا البرج بالقرب من مدينة الرملة الصغيرة الواقعة بين القدس ويافا.
ويسمي العرب برج الرملة ببرج الشهداء الأربعين، ويؤكد العرب أنه دفن فيه أربعون شهيداً من المسلمين.
وبرج الرملة مثال جميل لفن العمارة العربية، وهو مربع الشكل، ويدخله النور من نوافذ مصنوعة على رسم البيكارين، وتبلغ ذروته بمرقاة مؤلفة من? ? ? درجة لا تزال في حالة جيدة خلا الدرجات الأخيرة منها.