للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الاعتداء، ودامت تلك المجاعة، وكانت كلما دامت أكل الناس بعضهم بعضاً، فكان يذبح من يخرج من البيوت من الأولاد والنساء ويؤكل لحمه مع عويله، ومما حدث أن نجت امرأة وكتب لها حظ البقاء حية بعد أن أكل بعضها في تلك الأيام، فكان الناس يشيرون إليها الطويل زمن بعد انقضاء المجاعة.

[(٢) استيلاء العرب على مصر]

فتح القائد عمرو بن العاص، الذي هو من عمال الخليفة الثاني، عمر، بلاد مصر في السنة الثامنة عشرة من الهجرة (٦٣٩ م)، وقد ذكرنا ما كان عليه عمرو بن العاص من الحذق والمهارة نحو سكان مصر، فهو لم يتعرض إلى ديانتهم، ولا إلى نظمهم ولا عاداتهم، ولم يطالبهم بغير جزية سنوية قدرها خمسة عشر فرنكاً عن كل رأس مقابل حمايتهم، فرضي المصريون بذلك شاكرين، ولم يند سوى الروم، أي الجنود والموظفين ورجال الدين الذين أبوا أن يخضعوا للغزاة فالتجأوا إلى الإسكندرية، فحاصرها العرب حصاراً دام أربعة عشر شهراً، وقتل في أثنائه ثلاثة وعشرون ألفاً من العرب.

وكان عمرو بن العاص سمحاً رحيماً نحو أهل الإسكندرية مع تلك الخسارة التي أصيب بها العرب، ولم يقس عليهم، وصنع ما يكسب به قلوبهم، وأجابهم إلى مطالبهم، وأصلح أسدادهم وترعهم، وأنفق الأموال الطائلة على شؤونهم العامة.

وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم؛ فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جارت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمناً طويلاً؟ وهذه القصة دحضت في زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن تثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح العربي بعناية كالتي هدموا بها التماثيل ولم يبق منها ما يحرق.

وكان فتح الإسكندرية مهماً لدى العرب كفتح القدس، فقد أسفر عن فتحهم لمصر فتحاً نهائياً، وكان لهم به مصدر ثراء قوي، ونقطة ارتكاز يقدرون أن يستندوا إليها لقيامهم بفتوح جديدة أخرى.

ونحن، لكي نقدر أهمية فتح العرب للإسكندرية ومقدار تأثيره في العالم، نرى أن نوجز ما كانت عليه حين دخول العرب بلاد مصر.

كانت الإسكندرية من أهم مدن العالم منذ أنشأها الإسكندر (سنة ٣٣٢ ق. م) إلى أن فتحها عمرو بن العاص، أي في مدة ألف سنة، وكان يمكن عدها، وهي مركز

<<  <   >  >>