لتجارة البحر المتوسط بأسره، ثانية من الإمبراطورية الشرقية، أي المدينة التي تأتي بعد القسطنطينية، وكان البطالمة قد اجتذبوا إليها أشهر علماء العالم وفلاسفته، وكانت تشتمل على أشهر المكتبات والمدارس.
بيد أن ذلك الرقي العلمي لم يدم، فكانت، حين فتحها الرومان بقيادة قيصر (سنة ٤٨ ق. م) قد أخذت في الذبول منذ زمن طويل.
ولم يكد فتح الرومان لها يتم حتى أخذت تنهض وتنتعش، وصارت ثانية المدن في الدولة الرومانية، ولكن هذا الرخاء كان مؤقتاً، فهي لم تلبث أن صارت مسرحاً للاختلافات الدينية، وتوالت فيها الثورات والفتن منذ القرن الثالث مع ما قام به القياصرة من أعمال القمع، ولما أصبحت النصرانية دين الدولة الرسمي أمر القيصر النصراني ثيودوز، لا الخليفة عمر بن الخطاب، بإبادة معابدها وتماثيلها وكتبها الوثنية كما ذكرنا ذلك آنفاً
وحافظت الإسكندرية على شيء من مكانتها التجارية مع ما أصابها من النقص في عهد قياصرة الروم، وكان فيها من البقايا المهمة ما أدهش عامل عمر بن الخطاب.
ولم يشاهد العرب مدينة منتظمة انتظام الإسكندرية، ونحن، وإن لم يكن عندنا علم قاطع بالحال التي كانت عليها حين الفتح العربي، نعرف بالضبط ما كانت عليه في القرن الثاني من الميلاد، ونحن، إذا ما أغضينا عما أصاب مبانيها من الهدم، رجحنا أنه لم يطرأ على رسمها تبديل كبير منذ ذلك القرن.
كانت الإسكندرية مستطيلة الشكل ذات طول ٥٠٠٠ متر وذات عرض ١٨٠٠ متر، وكانت تقطعها طرق مستقيمة طولاً وعرضاً، فتفصلها إحدى هذه الطرق إلى قسمين.
ونعد من الآثار المهمة، التي كانت في الإسكندرية: دار الصناعة الكبرى، والقصور الفخمة، ومعبد نبتون الذي كانت أساطينه تستوقف نظر الملاحين من بعيد، والتيمونيوم الذي رأى أنطونيوس أن يقضي بقية عمره فيه معتزلاً بعد هزيمته في أكسيوم، والسيزاروم الذي أقام به قيصر منذ قيامه بالحصار، والمسلتين، وغيرهما من الآثار الكثيرة، والأمبوريوم القائم على طول الأرصفة حيث كانت تباع السلع العالمية، والموزيوم حيث كانت المكتبة الشهيرة التي هي أعظم مكتبة في ذلك الحين، ولم يكن في ذلك الدور المنحط من العلماء غير أصحاب الكرامات والنحاة واللغويين ورجال الدين، وكان يقوم على تل، حيث ينتصب عمود بونبيوس اليوم، معبد السرابيوم ذو الأبواب الضخمة والتماثيل الهائلة المصنوعة من الغرانيت.