للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٤) حياة محمد وأخلاقه]

تكلمنا عن حياة محمد العامة فيما تقدم، والآن نبحث في أخلاقه وحياته الخاصة، مستعينين بأسانيد العرب وآثارهم، قال المؤرخ العربي أبو الفداء في وصف محمد مستنداً إلى ما روي عن أصحابه: «وصفه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: كان النبي (ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس كث اللحية شثن الكفين والقدمين ضخم الكرادييس مشرباً وجهه حمرة، وقيل: كان أدعج العينين سبط الشعر سهل الخدين كأن عنقه إبريق فضة، وقال أنس: لم يشنه الله بالشيب، كان في مقدم لحيته عشرون شعرة بيضاء، وفي مفرق رأسه شعرات بيض ...

وكان (أرجح الناس عقلاً، وأفضلهم رأياً، يكثر الذكر، ويقل اللغو، دائم البشر، مطيل الصمت، لين الجانب، سهل الخلق، وكان عنده القريب والبعيد والقوي والضعيف في الحق سواء، وكان يحب المساكين، ولا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه، وكان يؤلف قلوب أهل الشرف، وكان يؤلف أصحابه، ولا ينفرهم، ويصابر من جالسه ولا يحيد عنه حتى يكون الرجل هو المنصرف، وما صافحه أحد فيترك يده حتى يكون ذلك الرجل هو الذي يترك يده، وكذلك من قاومه لحاجة يقف رسول الله (معه حتى يكون الرجل هو المنصرف، وكان يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، وكان يحلب العنز، ويجلس على الأرض، وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويلبس المخصوف والمرقوع، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله (من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء، وكان رسول الله (يعصب على بطنه الحجر من الجوع.»

ويضاف إلى الوصف السابق ما رواه مؤرخو العرب الآخرون من أن محمداً كان شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير، صموتاً حازماً، سليم الطوية، عظيم العناية بنفسه مواظباً على خدمتها بالذات حتى بعد اغتنائه.

وكان محمد صبوراً قادراً على احتمال المشاق ثابتاً بعيد الهمة لين الطبع وديعاً، فذكر أحد خدمه أنه ظل عنده ثماني عشرة سنة وأنه لم يعزره قط في هذه المدة ولو مرة واحدة.

وكان محمد مقاتلاً ماهراً، وكان لا يهرب أمام المخاطر، ولا يلقي بيديه إلى التهلكة، وكان يعمل ما في الطاقة؛ لإنماء خلق الشجاعة والإقدام في بني قومه.

<<  <   >  >>