فكر العرب في فتح إسبانية بعد أن طردوا الروم من شمال إفريقية، وردوا جماح البربر، وتم لهم، بصعوبة، فتح الأقطار الإفريقية التي كانت مسرحاً لحروب رومة وقرطاجة ولمغازي ماسينيسه وجوغورته ... وغيرهما من القادة المشهورين.
ولم يكن حب التوسع وحده هو الذي حفز العرب، الذين ترامت أطراف دولتهم، إلى فتح إسبانية، وإنما دفعهم إلى ذلك رغبتهم في إلهاء البربر الذين كانوا أشد من حاربهم العرب من الأعداء، والذين ظلوا مرهوبين؛ لشجاعتهم، وميلهم إلى الاستقلال، وحبهم للقتال على الرغم من قهر العرب لهم، فكان من السياسة الرشيدة إرواء غرائزهم الحربية في الغارة على البلدان الأجنبية.
وروى ابن خلدون أن الجيش الأول الذي عبر مضيق جبل طارق، ودخل بلاد إسبانية كان مؤلفاً من اثني عشر ألف مقاتل، وأن هذا الجيش كان من البربر تقريباً.
ونرى قبل أن نقص خبر ذلك الفتح الإسلامي، أن نوجز تاريخ إسبانية قبله؛ ففي ماضي الأمم سر حوادثها الحاضرة، وبماضي إسبانية يفسر سبب السرعة في فتح أتباع الرسول لها.
كان للفنيقيين والأغارقة والقرطاجيين مستعمرات في إسبانية التي يسكنها السلت الغوليون، ومن لم يعلم أصلهم جيداً من الإيبريين والليغوريين، وأنشأ القرطاجيون مدينة قرطاجنة في إسبانية بعد أن فتحوها؛ لتكون تابعة لقرطاجة، ثم فتح الرومان بلاد إسبانية على أثر الحروب اليونانية، وذلك قبل الميلاد بقرنين.