ولم تؤد تلك الغارات إلى نتائج مدنية عمرانية؛ ففي إفريقية حافظ أعراب جزيرة العرب أولئك على جلفهم الذي هو نقيض كل ثقافة جدية، وأخذت تلك الحضارة، التي كادت تلمع، تذوي بسرعة.
ولم يؤد ما كان يقع بين القبائل من الفتن والفساد، وما كان يقع بين الدويلات المستقلة المتناظرة من القتال، إلى غير الانحطاط السريع، فلما ظهر الترك في القرن السادس عشر أمام الجزائر لم يصعب عليهم فتح شمال إفريقية بسرعة.
ومراكش وحدها هي التي حافظت على استقلالها العربي حتى الوقت الحاضر، ولكن مراكش لم تصن نفسها من الانحطاط الذي عم جميع ولاياتها شيئاً فشيئاً، فقد أصاب الوهن مدينة فاس التي كانت منافسة لبغداد في القرن العاشر، والتي تروى مؤرخو العرب أن عدد نفوسها كان خمسمائة ألف، وأنها كانت تشتمل على ثمانمائة مسجد ومكتبة عامة زاخرة بالمخطوطات اليونانية واللاتينية، وأضحى سكان مراكش الذين قدر عددهم الآن بستة ملايين شخص، أو سبعة ملايين شخص، من مولدي العرب والبربر والزنوج.
[(٣) مباني العرب في شمال إفريقية]
لم تصب حضارة العرب في إفريقية ما أصابته من الازدهار في مصر والأندلس، وكان للعرب في إفريقية، مع ذلك، مدن مهمة وبعض مبان ذات قيمة، ولا سيما في زمن الأغالبة، وأنشأ العرب في إفريقية مدناً كالقيروان وتونس وفاس، وجدوا مدناً قديمة كتلسمان وبجاية والجزائر ... إلخ، ولم تكن نضارة تلك المدن غير مؤقتة، ولم يكن تنافس البربر وقلة استعدادهم للتمدن، وغارات أعراب العرب، وفقدان المراكز المهمة كبغداد في المشرق والقاهرة في مصر- مساعداً على تقدم الحضارة في إفريقية، ولا ينتظرن القارئ، إذن، بياناً عن مبان عربية مبتكرة ثمينة في إفريقية الشمالية كالتي في الأندلس ومصر، وسيرى القارئ في الفصل الذي خصصناه للبحث في تاريخ في العمارة العربي أن عرب إفريقية لم يوفقوا في فنهم للتحرر من النفوذ البيزنطي.
والآن نكتفي بذكر أهم مباني العرب الأثرية مختارين من مبانيهم الدينية ما سمح الدهر ببقائه في شمال إفريقية كما صنعناه سابقاً.