ترانا سائرين بحكم الطبيعة إلى تقدير جمال الفنون العربية بعد أن بحثنا في مصادرها وما فيها من إبداع عظيم، ولكن فقدان المقاييس المضبوطة يجعل هذا التقدير أمرًا شخصياً ويقلل من شأنه، ولن يكون نفع الأثر الفني، أي مطابقته لغرضه، مقياساً صالحاً لتقدير قيمته، فمن الممكن أن تقام عدة بيوت أو عدة بنايات متساوية الفوائد مختلفة القيم الفنية.
ويجب علينا أن نُعرِّف الجمال والبشاعة قبل أن نُعيِّن بالضبط درجةَ الجمال أو البشاعة في الأثر الفني.
لقد دل البحث على أن قيمة الأمور التي هي من نوع الجمال والبشاعة تختلف باختلاف العروق والتربية والبيئة والزمن ... وما إلى ذلك من العوامل، والتعريف الوحيد الممكن الذي يلائم جميع العروق في كل زمان هو أن الشيء الجميل هو ما نَسْتَلِذُّه.
وهذا التعريف ناقص جداً لا ريب، ولكن السعي في إكماله يؤدي إلى الاقتراب من دائرة سبب الأسباب المنيعة التي عجز العلم عن دخولها حتى الآن.
وإذا كنا نستلذ الشيء فلملاءمته أحوالَ أمزجتنا التي تختلف باختلاف الأشخاص والعروق، ولكن ما هذه الأحوال؟ ذلك ما لا نقدر على الإجابة عنه.
وليس في الطبيعة جمالٌ مطلق أو شناعة مطلقة، كما أنه ليس فيها صوت أو سكوت أو نور أو ظلام ... أو غير ذلك من الأمور التي هي وليدة ذهننا، والتي أثبتت الفسيولوجية الحديثة أنها أوهام خالصة، ولم يظهر الجمال والبشاعة في العالم إلا يوم صار لبعض الأشياء والأشكال تأثير حسن أو سيئ في حواسنا، وهذه أوجه للذة والألم وفق آخر تحليل.
وإذا كانت عناصر الأثر الفني منسجمة كان هذا الأثر الفني ذا تأثير حسن في حواسنا، ونقول إذ ذاك: إنه أثر جميل، وإذا كانت تلك العناصر فاقدة الانسجام كانت مؤذيةً لحواسنا، ونقول إذ ذاك: إنه أثر بشع، وإنما الذي لا نقدر عليه هو بيان السبب في تلذذ العين أو الأذن ببعض التراكيب وتألمها من بعضها الآخر، ونرى اليوم البعيد الذي يكتشف العلم فيه سبب حب شخص لبعض الأطعمة وكُره شخص آخر لها هو اليوم الذي يكون العلم قد تقدم فيه كثيراً.
والوهم في تقدير قيمة الآثار الفنية نفسها يتطرق إلينا من إجماع فريق كبير من أبناء العرق الواحد على رأي واحد في بعض أوصاف الجمال، ومصدر هذا الإجماع هو