لم تنل يد التحليل العلميِّ الدقيق التي قلبت رأينا في الكون رأساً على عقب عالَمَ الشعر والفن، ويظهر أن من طبيعة الشعر والفن أن يَبْقَيَا بعيديْن من مباحث العلماء، فالعلم قد يرى سُنَناً دقيقة لتطور الكواكب وتحول الموجودات وسقوط الأجسام، ولكن هل يسود نَظْم القصائد أو إقامة المباني أو صنعَ التماثيل غير الإلهام والهوى؟ حقاً إن أصحاب الفنِّ يتَفَلَّتُون حين يُحلِّقون في سماء الخواطر من قيود السنن، ولا يعرفون لأنفسهم سادة.
لم يحل سحر هذه العقيدة دون تلاشيها يوم بَسَط العلم يده عليها، فقد قرر العلم، من فوره، أن آثار الفن والآداب لم تكن غير مُعَبِّر صادق عن مشاعر أحد الأدوار ومعتقداته واحتياجاته، وأن من نتائج تعبيرها عنه أن كان أحسنُ صفات التاريخ هو ما تركه كلُّ جيل من الآثار، وأن أصحاب الفن والكتَّابَ لم يعملوا، بالحقيقة، غيرَ الإعراب، بشكل منظور، عن أذواق الجمهور المحيط بهم وطبائعه وعواطفه واحتياجاته، وأنهم، وإن كانوا أحراراً في الظاهر تقيدوا، بالحقيقة، بقيود كثيرة من المؤثرات والمعتقدات والخيالات والتقاليد التي يتألف من مجموعها ما نسميه روح العصر، فَرَزَحُوا تحت أثقال روح العصر عاجزين عن الخلاص منها على مدًى واسع.