كان الأوربيون في القرون الوسطى يكتبون على الرُّقوق لزمن طويل، وكان غلاء أسعارها مانعاً من توافر المخطوطات فيها، ونشأ عن ندرتها أن تَعَوَّد الرهبان حكَّ كتب كبار المؤلفين من اليونان والرومان؛ ليستبدلوا بها مواعظهم الدينية، ولولا العرب لضاع أكثر هذه الكتب الرائعة القديمة التي زُعم أنها حُفظت في أروقة الأديار باعتناء.
وكان اكتشاف مادةٍ تقوم مقام الرَّقِّ، وتُشابه بَرديَّ قدماء المصريين يُعَدُّ من أعظم العوامل في نشر المعارف.
وتُثبِت المخطوطة التي عَثَرَ عليها الغزيري في مكتبة الإسكوريال والمكتوبة في سنة ١٠٠٩ م على ورق مصنوع من القطن، والتي هي أقدم من جميع المخطوطات الموجودة في مكتبات أوربة، أن العرب أول من أحلَّ الورقَ محل الرَّقِّ.
شكل ٥ - ٧: قطعة من نسيج عربي قديم (من رسم بريس الأفيني).
وليس من الصعب أن يصل الباحث في الوقت الحاضر إلى تاريخ اختراع الورق، فمن الثابت أن الصينيين كانوا يَعلَمون منذ أقدم الأزمان صناعة الورق من شَرانِق الحرير، وأن هذه الصناعة أدُخلت إلى مدينة سمرقند في أوائل التاريخ الهجري، فلما فتحها العرب وجدوا فيها مصنعاً للورق الحريري، ولكن اختراعاً مهماً كهذا لم يكن لينفع في أوربة، التي لم تَعرف الحرير تقريباً، إلا باستبدال مادة أخرى بالحرير، وهذا