وأضيف إلى ما تقدم ما تشتمل عليه تلك الخيام من متاع بسيط ملائم للحياة البدوية، فكل خيمة تحتوي على أسلحة ورمح طوله ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار ولوح حديدي للخَبْزِ وقِدر للطبخ وإبريق للقهوة ومِهراس لها ودلو وبضعة ثياب وما إلى ذلك، ولذلك ليس من العسير أن نعلم أن أناسًا ذوي احتياجات ضئيلة، كأهل البدو، لم يعرفوا سادة لهم قط.
[(٣) حياة أهل الأرياف من العرب]
[(٣ - ١) الحياة الاجتماعية]
يسكن جزيرة العرب وما جاورها من البقاع، في كل زمن أناس يعتمدون في معايشهم على الزراعة، ويسكنون الأرياف البعيدة من المدن، ويخضعون، دائماً، لأحكام بيئة واحدة مشتملة على طبقة ضيقة من التقاليد والعادات، ولا يعانون شيئاً من التحول المهم غير ما يتحول به دينُهم، وأولئك هم الذين يجب البحث في أحوالهم للوقوف على بعض ما جاء في القرآن من النظم.
وإنني أتخذ، من مختلف السكان، عرب حوران مثالاً للبحث، وتَقْرَب من بادية الشام بلاد عرب حوران الذين هم من أنصاف المستقلين، والذين أجاد مسيو لُوبْليه درس شؤونهم في كتابه الممتع عن عمال الشرق، فنرى من المفيد أن نبحث في أحوالهم لنتمثل كيف يعيش السكان الذين تختلف طبائعهم عن طبائع جيرانهم من أهل الحضر وأهل البدو، ولنعلم ما نشأ عن هذا الجوار من النظم.
يعد أهل حوران الذين أدرس حياتهم الاجتماعية من العِرْق العربي وإن لم يقيموا بجزيرة العرب، فقد كان يَسكن حوران بعد ظهور المسيح بزمن قصير قبائل عربية (من القحطانيين على رأي فِتْزشْتَايْن) كانت قد هاجرت من جنوب جزيرة العرب وأقامتدولة السليحيين ثم دولة الغساسنة التي كانت تحت رعاية الرومان، ونُصِب، فليب، الذي هو من عرب حوران، قيصرًا رومانيٍّا في سنة ٢٤٤ م، وليس بمجهول أن عاشت دولة الغساسنة خمسمائة سنة، ولم تنقرض إلا باستيلاء خلفاء محمد علي أملاكها، ويعود إلى الغساسنة فضل إقامة الآثار العظيمة التي لا تزال ماثلةً في بلاد حوران، ولا سيما في عاصمتها القديمة بُصرى، ولا تزال تُرى هنالك كتابات بالخط الحِمْيَرِي الذي سُمي باسم لغة بعض القبائل القديمة في جزيرة العرب.