لا يزال أمر الأدب القديم في اليمن وفي مختلف أجزاء جزيرة العرب المتمدنة مجهولاً لدينا تماماً، وما علمناه من أشعار العرب قيل بعد المسيح وقبيل ظهور مُحَمَّد، ولم تكن هذه الأشعار في غير الغزل وتمجيد الملاحم، وكان العرب يحبون أن يسمعوا شعراءهم يُشيدون بمفاخرهم كما كان الأغارقة في عصر البطولة.
وتبدأ تلك الأشعار، في الغالب، بالتصوير والتشبيه، شأنُ شعرِ الأمم الفطرية التي تُحِسُّ كثيراً وتفكر قليلاً، وتختلف تلك الأشعار عن الشعر الإسرائيلي كثيراً في خُلُوِّها من التكهن والدُّجُون والتغني بسفك الدماء، ولا تجد فيها ذكراً لمثل المجازر الوحشية والمذابح والإبادات ولعنات الرب الدائمة التي مُلِئت بها التوراة.
ونال الشعراء نفوذاً كبيراً بفضل حب العرب للشعر، فكان الشعراء يحركون المشاعر، ويرفعون أقوامًا ويخفضون آخرين كما يشاؤون، وكان من نفوذهم أن مَنَحَت قريشٌ الشاعر الأعشى مائة جملٍ حَمْلاً له على عدم نشر قصيدة مَدَحَ النبيَّ بها.
وكان من عبادة العرب للشعر ما أقاموا معه، قبل محمد بعدة قرون، مؤتمرات أدبية يقصدونها من جميع نواحي جزيرة العرب، وكانت هذه المؤتمرات تقوم في مدينة عكاظ الصغيرة القريبة من الطائف والبعيدة من مكة مسافة ثلاثة أيام، وكانت القصائد التي تنال الحُظْوَة فيها تُكتب بحروف من ذهب على نسائج ثمينة وتعلَّق في الكعبة بمكة لتُنْقَل إلى الأعقاب.
وبلغ الشعر العربي الذروة في القرن الذي سبق ظهور محمد، ونشأ عن ذلك أن صارت لغة الشعراء الفصحى عامَّةً، وأن صُهرت لهجات بلاد العرب المختلفة في لغة واحدة.
وانتهت إلينا المعلقات السبع بفضل حفظ أهم أشعار العرب في الكعبة، ويُرى في المعلقات السبع وَصفٌ لحروب العرب، ولحياة البادية الجافية القاسية، ولمغامرات الأعراب ... إلخ.