لم يُهمل العربُ أمر التطبيقات الصناعية مع قيامهم بمباحثهم النظرية، وكان لصناعات العرب تفوُّقٌ عظيم بفضل معارفهم العلمية، ونعلم ما أدت إليه صناعاتهم من النتائج، وإن جَهِلنا أكثر طرقها، فنعرف، مثلاً، أنهم كانوا يعلمون استغلال مناجم الكبريت والنحاس والزئبق والحديد والذهب، وأنهم كانوا ماهرين في الدِّباغة، وفي فن تسقية الفولاذ، كما تشهد بذلك نصال طليطلة، وأنه كان لنسائجهم وأسلحتهم وجلودهم وورقهم شهرةٌ عالمية، وأنه لم يسبقهم أحد في كثير من فروع الصِّناعة إلى عصرهم.
ونرى، بين اختراعات العرب، ما لا يجوز الاكتفاء بذكره لأهميته، كاختراعهم للبارود مثلاً، ولذا فإننا نقول بضعَ كلماتٍ فيه:
[بارود الحرب والأسلحة النارية]
استعملت أممُ آسية أنواعَ المركبات المُحرقة في حروبها منذ القرون القديمة، ولكن أوربة لم تَعرِف هذه المركَّبات إلا في القرن السابع من الميلاد، ويُظَنُّ أن الذي نقلها من آسية هو مهندس معماريٌّ اسمه كالينيك، واستفاد البيزنطيون استفادةً عظيمة من هذه المركبات في دحْر العرب حينما وضعوا نطاقاً أمام القسطنطينية، وأمر القيصر قسطنطين بورْفِيرُو جِينيت بعَدِّها من أسرار الدولة وإن لم تَلْبَث أن كُشِفَت، وأسفرت مباحث رينو وفافيه عن القَطْع بأن هذه المركبات التي وُصِفَت في كثير من المخطوطات القديمة مؤلفةٌ من الكبريت، وبعض المواد الملتهبة كبعض الراتنجات والأدهان.
ولَسُرعان ما عَرَف العرب تركيب النار اليونانية، وبلغت هذه النار من الانتشار عندهم ما صارت معه «عامل الهجوم المهِمَّ» كما قال ذانك المؤلفان، وتَفَنَّنَ العرب في استخدامها، والقذف بها بشتى الطرق، وليس بمجهولٍ خبرُ الرُّعب الذي ألقته في قلوب الصليبيين فوَرَدَ ذكره في أحاديثهم، ومن ذلك أن أعلن جوَانفيلُ أنها أفظع شيء رآه في حياته، وأنها ضربٌ من التَّنانِين الكبيرة الطائرة في الهواء، ولما أصبح جوانفيل في جوار الملك سان لويس:«رَكَع ورفع يديْه إلى السماء وقال باكياً: أي ربنا يسوع احفظنا واحفظ قومنا! »