ومن غير أن نذهب بعيداً إلى أحكام القوانين والديانات القديمة في نقص المرأة عقلاً وأخلاقاً، أذكر أن بعض العلماء المعاصرين أثبتوا ذلك النقص مستندين إلى عوامل تشريحية ونفسية كثيرة، فحاولوا إقامة الدليل على أن الحضارات كلما تقدمت اختلفت المرأة عن الرجل ذكاء.
ولا يظن القارئ أن العرب، الذين احترموا المرأة أكثر من أية أمة ظهرت، لم يوافقوا على الرأي القديم القائل بنقص المرأة عقلاً وأخلاقاً، فشكوكهم في وفاء المرأة كبيرة إلى الغاية، وذلك أن المرأة في نظرهم من المخلوقات الصغيرة الجميلة الفاتنة العابثة اللاهية التي لا يُرْكَن إلى ثَبات جَنانها طرفة عين، وقديماً قال مشترع الهند الرزين مَنُو الذي ظهر قبل مُحَمَّد بأكثرَ من ألفي سنة:«تُعد المرأة زانيةً إذا خلت بالرجل مُدةً تكفي لإنضاج بَيْضَة.»
أجل، إن المدة التي حددها مَنُو لإصدار هذا الحكم الصارم قليلة، ولكنه نشأ عن اعتقاد الشرقيين صحة ذلك تقييدُهم لحرية المرأة وإكراهها على العَيش في دوائر الحريم، وهذا لا يعني أنهم يَرَون عِصمة المرأة بين الجدُر والخِصيان، وإنما حملوها على العيش في هذه الدوائر لعدم اكتشافهم علاجاً أفضل منه، ومن يُنْعِم النظر في أقاصيصهم الشعبية يَرَ فيها أثراً لهذا الاعتقاد، فاقرأ رواية ألف ليلة وليلة العجيبة، مثلاً تجد أن فاتحتها الدقيقة تدور حول مَيْل المرأة إلى الخداع بطبيعتها، وأن المرأة لو حُبِست في قفص من زجاج وراقبها مَلَكٌ مِغيار لاستطاعت، في الغالب، أن تخادع كما تشاء، والشرقيون، إذ كانوا مُطَّلِعين بغرائزهم على سرائر الأمور، يَرَون من طبيعة المرأة أن تكون غادرةً غيرَ وفيَّة كما أن الطيران من طبيعة الطير، والشرقيون، إذ كانوا حريصين على صفاء نَسلهم، اتخذوا ما يروقُهم من وسائل الحذر منعاً لحدوث ما يَخشَون.
[(٣) الزواج عند العرب]
أباح القرآن للمسلم أن يتزوج أربعَ نِسوَة من الحرائر وما شاء من الإماء، ويُعد أولاد الإماء شرعيين كأولاد الحرائر.
وللزوج أن يُطَلِّق زوجته، ولكنه يجب عليه أن يصنع ما يَكْفُل به مصيرها.
وفي بلد كالشرق، حيث يَسْهُل الزواج فيتزوج الرجال والنساء في مَيعَة الشباب يُدْرَك السر في إمكان صرامة الطبائع بأشد مما في أوربة، والحق أن الطبائع في الشرق صارمة، وأن من النادر أن ترى رجلاً يتملَّق زوجةَ رجلٍ آخر لمخالفة ذلك للطبيعة عند الشرقيين