الباحث مثالاً أوضح من هذا التأثير أمة في أمة أخرى، والتاريخ لم يشتمل على ما هو أبرز من هذا المثال.
ومما تقدم ننتهي إلى نتيجتين مهمتين: الأولى: هي أنه لم يكن للإسلام، ديانةً، تأثيرٌ في آثار العرب العلمية والفلسفية، والثانية: هي أن فضل الشرق في تأثيره في الغرب يعود إلى العرب وحدهم، وأما الشعوب التي حلت محل العرب، وإن اتفق لها شيء من التأثير السياسي أو الديني لم يكن تأثيرها العلمي والأدبي والفلسفي في غير درجة الصفر.
[(٢ - ٢) تأثير العربي في فن العمارة]
للعرب، لا ريب، تأثير في فنون أوربة، ولا سيما في فن عمارتها، ولكنه يبدو لي أضعف مما يعتقد على العموم، ولا أرى أن يبحث عنه حيث أريد وجوده، ومن ثم أن يقال: إن الطراز القوطي أخذ عن العرب في القرون الوسطى مثلاً، ومع أنني أوافق، مع كثير من المؤلفين، على أن أوربة اقتبست الأقواس القوطية (أي الأقواس المصنوعة على رسم البيكارين) من العرب، والعرب قد استعملوها في مصر وصقلية وإيطالية منذ القرن العاشر من الميلاد، تراني لا أقول: إننا مدينون للعرب بطرازنا القوطي؛ لما أرى من الفرق العظيم بين كنائسنا التي أقيمت عليه في القرن الثالث عشر أو القرن الرابع عشر من الميلاد وما بني في أي من هذين القرنين من المساجد، ولأن أقواس الأبواب والنوافذ المصنوعة على رسم البيكارين ليست كل ما في العمارة القوطية التي تتألف من عناصر مختلفة لا تقدر قيمتها إلا بعد البحث في مجموع البناء.
والحق أن الطراز القوطي لم يستند إلى عنصر واحد، فهو مشتقٌ من الطراز الروماني الذي هو وليد الطراز اللاتيني والطراز البيزنطي، وذلك بعد سلسلة من التطورات، والحق أن الطراز القوطي ظهر، بعد أن تم تكوينه، فناً مبتكراً مختلفًا عن فنون العمارة السابقة، فتعد كل كنيسة قوطية أتقن بناؤها من أجمل ما شاد الإنسان من المباني التي لا أستثني منها أكمل الآثار الإغريقية اللاتينية القديمة.
وهنا أقرر أن الغرب اقتبس أصول فن عمارته من العرب، وأن لعروق الغرب احتياجات وأذواقاً تختلف عن احتياجات الشرق وأذواقه، وأن بيئات الغرب مباينة لبيئات الشرق، وأن الفنون وليدة احتياجات أحد الأدوار ومشاعره؛ فكان ما نراه من اختلاف فنون الغرب عن فنون الشرق بحكم الضرورة.