تم بناء هذا القصر، الذي أنشأه شاهجهان، في سنة (١٠٥٨ هـ/ ١٦٤٨ م) وهذا القصر هو أجمل القصور الإسلامية التي أقيمت في بلاد الهند وفارس، وما في رداهه من الفسيفساء يجعلها قطعاً من الحلي.
ولم ينل هذا القصر الشهير (الذي هو من أعجب ما شاده البشر، والذي ضن به البرابرة الذين توخوا دهلي غير مرة ونهبوها فلم يخربوه) من الإنكليز ما يستحق من العناية، فقد هدموا جميع أجزائه التي رأوا أنهم لا ينتفعون بها، وأقاموا في مكانها ومن أنقاضها ثكناً، ولم يحترموا سوى الرداه التي رأوا فيها بعض النفع لهم، وذلك مع علمنا أن الإنكليز، الذين حسبوا مقدماً نفقة تنظيف تلك الرداه من فسيفسائها وزخارفها الجميلة عند تحويلها إلى إسطبلات ومراقد للجنود، لم يروا للخلاص من تلك النفقة ما هو أسهل من تكليسها، فسخط العالم على هذا العمل الهمجي الذي تحمر منه وجوه وحوش البرابرة خجلاً، فاضطر الإنكليز إلى كشط ما جنت أيديهم من عمل حقير، وما أبقاه الإنكليز من ذلك القصر يكفي، مع ذلك، لبيان ما كانت عليه حاله قبل أن تصيبه يدهم الهدامة، ويمكن القارئ أن يتمثله بسهولة عند نظره إلى الصورة التي نشرناها في هذا الكتاب عن إحدى رداهه.
قال مسيو روسله:«إن أبهة داخل ذلك القصر مما لم تسمعه أذن، فقد زينت أساطينه وحناياه وأطرقبته بالنقوش العربية العجيبة التي رسمت بالحجارة الكريمة المرصعة في الرخام، وتهب الشمس وقتما تلقي أشعتها على فسيفساء ذلك القصر من خلال حناياه، الحياة لطاقات زهوره المصنوعة من اللازورد والعقيق واليصب، وما لا يحصى من أنواع الحجارة الثمينة.»
وزار هذا القصر الشهير في إبان عظمته فرنسيان، أحدهما: طبيب اسمه بيرنيه، والآخر: صائغ اسمه تافرنيه، ووصفا دقائق كنوزه في سنة ١٦٧٠ م وسنة ١٦٧٧ م، وأذن للصائغ تافرنيه في فحص حجارته الكريمة ورسمها، وتجد في كتابه تقديراً ورسوماً لأهمها، ومما جاء فيه أن في القصر سبعة تيجان مرصعة بالألماس، وأن ثمن أهم هذه التيجان السبعة يقدر بـ ١٦٠٥٠٠٠٠٠ فرنك.
وليس من الصعب أن نستعين بما ذكرناه آنفاً، وبما جاء في كتب المتقدمين من الوصف، فنتصور الحال التي كان عليها بلاط ملوك الهند المعاصرين لملك فرنسة لويس الثالث عشر تقريباً، فالسائح الذي يقترب من دهلي يشاهد في الأفق غابة من القباب